تكتيك جديد.. كيف أطلق ماسكيرانو العنان لقدرات ميسي؟

BySayed

يوليو 16, 2025


لا عجب أن يتوقع البعض انهيار إنتر ميامي بعد مشاركته في كأس العالم للأندية. فقد بدا ذلك منطقياً، خاصة بعد خسارته الثقيلة 4-0 أمام باريس سان جيرمان في دور الـ16، رغم تأهله من دور المجموعات رفقة ليونيل ميسي، الذي ظهر عليه الإرهاق مع بقية زملائه.

وخلال البطولة، تعرّض الفريق لعدة إصابات، وظهر كرمز لمعاناة أندية الدوري الأمريكي لكرة القدم (MLS) على الساحة العالمية. من بين ثلاثة فرق أمريكية شاركت في البطولة، كان ميامي الوحيد الذي حقق فوزاً، قبل أن يودع المسابقة أمام بطل أوروبا، في ملعب أقرب إلى كونه معقله.

كان من السهل حينها توقّع السيناريو القادم: مزيد من الإصابات، تراجع في الأداء، وربما غياب طويل لميسي. خسارة باريس بدت وكأنها بداية سلسلة من الأشهر الصعبة.

لكن هذا السيناريو لم يدم طويلاً.. أسبوعان فقط، ثم تغير كل شيء.

لم ينهار ميامي، بل ظهر بحلّة جديدة، أقوى من أي وقت مضى. أصبح أول نادٍ من الدوري الأمريكي يهزم فريقًا أوروبيًا في بطولة رسمية، وبدأت نتائجه بالتحسن بشكل لافت.

بالطبع، كان ميسي في قلب هذا التحوّل. النجم الأرجنتيني سجّل هدفين في كل من مبارياته الخمس الأخيرة بالدوري، ليعادل رقمًا قياسيًا في MLS لعدد المباريات المتتالية التي يسجل فيها أكثر من هدف. وإذا نجح في تسجيل ثنائية أمام سينسيناتي، فسيحطم الرقم منفردًا.

لكن النجاح لا يُنسب لميسي وحده.

ميامي أصبح أكثر توازناً، منظمًا بشكل أفضل، وأكثر صلابة دفاعيًا. حين يكون ميسي في حالته، ويُبنى الفريق حوله بانضباط تكتيكي، يصعب إيقافه.

نستعرض كيف ساهمت التعديلات الفنية التي أجراها المدرب خافيير ماسكيرانو في تجنيب الفريق آثار كارثة كأس العالم للأندية، ووضعه على طريق التألق من جديد.

قبل كأس العالم للأندية

قبل كأس العالم للأندية

قبل انطلاق كأس العالم للأندية، كان ليونيل ميسي يقدم مستويات مميزة مع إنتر ميامي. فقد سجل خمسة أهداف في آخر ثلاث مباريات قبل التوقف الدولي، وساهم في تحقيق فريقه لفوزين وتعادل، الأخير جاء على أرض فريق فيلادلفيا يونيون، أحد أقوى أندية الدوري الأمريكي.

في تلك المرحلة، كانت حصيلة ميسي في الدوري الأمريكي 10 أهداف و5 تمريرات حاسمة في 13 مباراة. أرقام لا تُعد استثنائية بمعاييره، لكنها كانت قوية بما يكفي لتمنح ميامي الأفضلية في معظم مبارياته.

لكن رغم هذه الأرقام، لم يكن الفريق منظمًا بشكل جيد. فبينما كان ميسي يسجل، كانت المنظومة من حوله تنهار. خطة المدرب خافيير ماسكيرانو لم تكن مكتملة النضج، بل اعتمدت على طاقة ميسي أكثر من اعتمادها على نظام تكتيكي محكم.

صحيح أن الفريق حاول اللعب بأسلوب يعتمد على الاستحواذ السريع واستعادة الكرة مباشرة، لكن هذه كانت أفكار عامة، لا خططًا تفصيلية. ولم يكن فريق ميامي مؤهلًا بدنيًا أو ذهنيًا لتطبيق هذا النوع من الضغط العالي.

ففي الوقت الذي سيطر فيه الفريق على الاستحواذ، كان يعاني بشدة في استعادة الكرة عند فقدانها. الضغط العالي يتطلب انسجامًا تامًا، وشجاعة من المدافعين للعب في الخطوط المتقدمة، وسرعة من المهاجمين لقطع خطوط التمرير، وقدرة من لاعبي الوسط على التدخل عند تجاوز الضغط الأول.

أمثلة مثل باريس سان جيرمان، الذي يفرض ضغطًا في الثلث الأخير من الملعب، أو آرسنال الذي يدفع خصومه نحو قلب الملعب ليقطع الكرة عبر وسطه البدني، توضح مدى أهمية التخطيط الدقيق.

أما ميامي، فكان يلجأ إلى طرق أبسط مثل الضغط رجل لرجل، معتمدًا على ضعف الفرق المنافسة في الدوري الأمريكي تحت الضغط. لكن هذه المقاربة لم تكن ناجحة. الفريق كان يسجل كثيرًا، لكنه يتلقى الأهداف بسهولة أكبر.

النتيجة: فريق غير متوازن، يلعب كرة مفتوحة، ويعتمد بشكل مفرط على عبقرية ميسي لتغطية عيوب هيكلية واضحة.

تأثير المونديال

تأثير المونديال

يبدو أن كأس العالم للأندية كانت نقطة تحول حقيقية لإنتر ميامي. لطالما تمتع الفريق بأفضلية نوعية في الدوري الأمريكي (MLS) بفضل الأسماء الكبيرة في تشكيلته، وعلى رأسها ليونيل ميسي. في الظروف العادية، ميامي مرشح للفوز في كل مباراة يخوضها تقريبًا، لا سيما إذا احتُسب تأثير ميسي.

لكن هذه الأفضلية لم تكن موجودة في مونديال الأندية. صحيح أن ميامي كان مرشحًا لتجاوز الأهلي المصري، لكنه فشل في ذلك، بينما كان في موقف أضعف على الورق أمام بورتو وبالميراس. هذا الواقع أجبر المدرب خافيير ماسكيرانو على كسر غروره التكتيكي.

تخلى ماسكيرانو عن الضغط العالي والخطوط الدفاعية المتقدمة، وفضّل اعتماد خطة أكثر تحفظًا: التراجع، امتصاص الضغط، والاعتماد على ميسي في الحسم.

الخطة أثمرت، خصوصًا في مواجهة بورتو. نجح ميامي في كسب المعارك التكتيكية، واستغل الحظ أحيانًا، وكان ميسي حاضرًا كعادته: تمريرة حاسمة وهدف قاتل. لم تكن الخطة عبقرية في حد ذاتها، لكنها كانت علامة على تطور مهم في عقلية الفريق. ميامي أثبت أنه قادر على تغيير أسلوبه والنجاح بعيدًا عن فكرة “الهجوم فقط”.

أما أمام باريس سان جيرمان، فقد كان الفارق واضحًا في الجودة. الهزيمة كانت ثقيلة، لكنها كانت درسًا ضروريًا.

كأس العالم للأندية، رغم مرارتها، فرضت واقعًا جديدًا على ميامي: لا يكفي أن تعتمد على المهارة والنجوم، بل تحتاج إلى المرونة والانضباط، وربما القليل من التواضع التكتيكي.

الظهيران

الظهيران

منذ انتهاء كأس العالم للأندية، بدأ إنتر ميامي يُظهر وجهًا مختلفًا، أكثر انضباطًا وواقعية. بات الفريق أكثر استعدادًا للتخلي عن الكرة، ولو جزئيًا. ففي مواجهتيه ضد ناشفيل ونيو إنجلاند، ورغم تفوقه بالاستحواذ، إلا أن نسبة السيطرة على الكرة كانت أقل من متوسطه المعتاد خلال الموسم.

أرقام المباراة ضد نيو إنجلاند، على سبيل المثال، أظهرت تفوق الخصم في عدد التسديدات (16 مقابل 13)، بل وسددوا ضعف الكرات على المرمى. لكن ميامي، في كل هذه المباريات، بدا أكثر صلابة وتنظيمًا، وأصعب في الاختراق.

جزء كبير من هذا التغيير يعود إلى الهيكل الدفاعي، وتحديدًا طريقة توظيف الأظهرة.

في السابق، كان الظهيران جوردي ألبا ومارسيلو ويغاندت يتقدمان بحرية تامة، بل وأحيانًا يتحركان عشوائيًا داخل الملعب. كانت الفكرة خلق كثافة هجومية عبر الفوضى التكتيكية، لكن النتيجة كانت مساحات مكشوفة عند فقدان الكرة، ومعاناة مستمرة في التحولات الدفاعية.

اليوم، تغير كل شيء.

ألبا وويجاندت باتا يلتزمان بالبقاء في مواقع أكثر تحفظًا، ملتصقين بخطوط التماس وفي عمق نصف ملعبهم، بدلاً من التمركز المستمر في الثلث الهجومي. النتيجة كانت فريقًا أكثر تماسكًا دفاعيًا، وأفضل تنظيميًا في بناء اللعب.

خرائط الحرارة توضح ذلك بجلاء:

– أمام ناشفيل ونيو إنجلاند، كان تمركز الأظهرة متوسطًا في نصف ملعبهم.

– أما في مواجهة مينيسوتا قبل بطولة CWC، حيث خسر الفريق 4-1، فكان كلا الظهيرين متمركزين بشكل فعّال في ملعب الخصم.

هذا التحول التكتيكي حقق فائدتين واضحتين:

تحسين الصلابة الدفاعية: وجود عدد أكبر من اللاعبين خلف الكرة يقلل من المساحات، ويجعل الفريق أكثر قدرة على امتصاص الضغط.

تحكم أكبر في رتم اللعب: بالنظر إلى أن ميامي ليس فريقًا قويًا بدنيًا أو سريعًا، فإن السيطرة على الإيقاع عبر تمركز الأظهرة ساعد في بناء الهجمات بشكل أكثر هدوءًا وفعالية.

باختصار، ما بعد كأس العالم للأندية، ليس كما قبلها. ميامي بات أكثر توازنًا، والأظهرة لم تعد أدوات هجومية فقط، بل جزء من عمود الفريق التكتيكي الجديد.

خط الوسط والطاقة

خط الوسط والطاقة

لم تتوقف التحسينات التكتيكية في إنتر ميامي عند الخط الخلفي، بل امتدت إلى قلب المنظومة: خط الوسط. أحد أبرز التعديلات كان يتعلق باستخدام سيرجيو بوسكيتس، الذي رغم عبقريته التكتيكية وخبرته الواسعة، واجه صعوبات مألوفة هذا الموسم، تُعيد للأذهان مشكلاته في سنواته الأخيرة مع برشلونة.

بوسكيتس، ببساطة، لا يمتلك السرعة الكافية لتغطية مساحات واسعة، وهو في أفضل حالاته عندما يُبنى حوله فريق قادر على تضييق المساحات، واسترجاع الكرة بسرعة. طبيعته كلاعب رقم 6 تقليدي تعتمد على التمركز، والذكاء، والتحكم في الإيقاع، وليس على الركض أو السرعة.

في الموسم الماضي، كان الحل متمثلًا في إشراك يانيك برايت، اللاعب النشيط القادم من جامعة نيو هامبشاير، لتعويض بطء بوسكيتس وتغطية المساحات خلفه. لكن مع إصابته، اضطر ميامي لتعديل استراتيجيته من خلال تقليص المساحات المتاحة في وسط الملعب، ليمنح بوسكيتس بيئة أكثر مناسبة.

هنا ظهر بنجامين كريماسكي كعنصر حيوي في الخطة الجديدة. ورغم أنه لاعب وسط مهاجم من حيث التوصيف، إلا أنه في النظام الحالي يُستخدم كمحور ديناميكي قادر على الضغط، والتحرك عرضيًا، و”إخماد الحرائق”، كما يُقال في المصطلحات التكتيكية.

كريماسكي يشبه في هذا الدور جوردان هندرسون أكثر من لوكا مودريتش. لاعب بدني، دائم الحركة، ليس صانع ألعاب تقليدي، بل عنصر توازن ضروري في خط وسط مفتقر للسرعة.

والنتيجة؟ ميامي بات أكثر استقرارًا وأصعب في الاختراق، خاصة في العمق. وجود كريماسكي إلى جانب بوسكيتس منح الفريق شكلًا أكثر تماسكًا، ومنع الانكشافات التي عانى منها سابقًا.

الخلاصة: ميامي لا يطلب من بوسكيتس الركض.. بل يطلب من من حوله الركض من أجله. ومع كريماسكي في الصورة، المعادلة بدأت تنجح.

ميسي المذهل

ميسي المذهل

وهكذا نصل إلى اللاعب الذي لا يتوقف أحد عن الحديث عنه: ليونيل ميسي.

في الموسم الماضي، أكدت منظومة إنتر ميامي مرارًا أنها لا تريد الاعتماد الكامل على ميسي، وهو طرح منطقي بالنظر إلى عمره (38 عامًا) وتاريخ الإصابات. ميسي لاعب ممتاز، لكنه لم يعد خارقًا كما كان في سنوات ذروته. ومع ذلك، فإن طريقة التعامل معه من قبل المدرب خافيير ماسكيرانو كانت مختلفة تمامًا. قال ماسكيرانو قبل انطلاق الموسم: “الطريقة الوحيدة لتدريب ميسي هي إعطاؤه بعض الأفكار والابتعاد عن طريقه”.

هل في ذلك مخاطرة؟ بالطبع. لكنها مخاطرة مبررة عندما يكون لديك أفضل لاعب في تاريخ اللعبة.

الملفت في الأسابيع الأخيرة أن الفريق تحسّن من حيث التنظيم، وساهم ذلك في إبراز قدرات ميسي بشكل أفضل. بات يلعب داخل هيكل منظم، وفي ظل دعم هجومي أكبر من قبل سواريز الذي استعاد بعضًا من بريقه. النتيجة: ميسي يقدم كرة قدم مذهلة.

الأهداف الاستثنائية ما زالت حاضرة. هدفه ضد مونتريال، على سبيل المثال، تذكير بما يمكن أن يفعله حين يُترك له المجال. لكنه أيضًا أصبح أكثر تأثيرًا في التفاصيل الصغيرة: استغلال الأخطاء، التمركز الذكي، وتمريرات دقيقة تخلق الفرص من العدم.

قد لا يحمل ميسي الفريق على كتفيه كما في الماضي، لكن وجوده في نظام منضبط جعله يعود ليكون الفارق الحقيقي. ليست المسألة بعدد الأهداف فقط، بل في كيف ومتى وأين يظهر ليصنع الفارق. في هذه النسخة من ميسي، نرى النضج الكامل، والموهبة الصافية، والانضباط التكتيكي يجتمعون في مشهد واحد.

بالتأكيد، هذه أمور أساسية، لكنها ترسم صورة أوسع لميسي في أفضل حالاته.

المزيد قادم؟

المزيد قادم؟

ما سيحدث بعد ذلك سيكون محور اهتمام كبير. أمام إنتر ميامي ثلاث مباريات متبقية في الدوري الأمريكي قبل انطلاق منافسات كأس الدوري. وستكون اثنتان منها ضد فريق سينسيناتي، أحد أبرز المنافسين على صدارة القسم الشرقي، في غضون عشرة أيام فقط. هاتان المواجهتان قد تحددان بشكل كبير ملامح موسم ميامي. فوز الفريق بهما سيجعله المرشح الأقوى للقب، أما الخسارة فقد تعني تراجعًا ملحوظًا في جدول الترتيب.

بطولة كأس الدوري ستضيف طبقة جديدة من التعقيد. في نسخة 2023، توج ميامي باللقب احتفالًا بوصول ليونيل ميسي إلى أمريكا. أما هذا العام، فقد تم تقليص نظام البطولة، وسيواجه الفريق خصومًا من الدوري المكسيكي فقط في مرحلة المجموعات. هذا قد يمنح ميامي تجربة جديدة ومنعشة من حيث الإيقاع والمنافسة، لكنه سيكون أيضًا اختبارًا صعبًا لقدرات الفريق خارج بيئته المعتادة.

الجانب الإيجابي يكمن في ملف الإصابات. عاد يانيك برايت للتدريبات، ويبدو أن الثلاثي إيان فراي، ونوح ألين، ودريك كاليندر في طريقهم للتعافي الكامل. بعبارة أخرى، ميامي يستعيد جاهزيته البدنية في الوقت المناسب.

وفي خلفية المشهد، يدور حديث مستمر عن الانتقالات. الأرجنتيني رودريجو دي بول ارتبط مؤخرًا بإمكانية مغادرة أتلتيكو مدريد والانضمام إلى الدوري الأمريكي. ورغم أن قواعد الرواتب في MLS تعقد مثل هذه الصفقات، إلا أن انضمام زميل ميسي في المنتخب ليس فكرة مستحيلة بالكامل.

في نهاية المطاف، سيكون على ميامي أن يراهن على نجمه الأول ليونيل ميسي، مستغلًا الزخم الذي اكتسبه بعد كأس العالم للأندية، ومُثبتًا أن الفريق بهيكله الجديد لا يكتفي فقط بالمنافسة، بل يسعى بجدية للفوز بكأس الدوري الأمريكي هذا العام.



المصدر – كوورة

By Sayed