لم تكن “الرمية الطويلة” في كرة القدم الإنجليزية يومًا أداة شائعة في جميع أنحاء الدوري، بل كان استخدامها حكرا تقريبا على المدرب توني بوليس وفريقه ستوك سيتي خلال حقبة معينة من الدوري الإنجليزي الممتاز. لكنها اليوم تحولت إلى سلاح تكتيكي معتمد لدى معظم فرق البريميرليج، بل وأثبتت فعاليتها بشكل لافت.
ففي الموسم الماضي، تم تسجيل 20 هدفا نتيجة جمل تكتيكية من رميات تماس. أما في الموسم الحالي – وبعد مرور 11 جولة فقط من موسم 2025-2026 – فقد شهدنا بالفعل 12 هدفًا من هذه الألعاب، وهو مؤشر على التطور الكبير في كيفية تعامل الفرق مع هذه اللعبة الثابتة غير التقليدية.
ولا يقتصر التغيير على عدد الأهداف فحسب، بل يمتد ليشمل متوسط طول الرمية. فقبل موسمين، كان متوسط المسافة يبلغ 16.5 مترًا، ثم ارتفع الموسم الماضي إلى 16.7 مترا، وصولا إلى قفزة كبيرة هذا الموسم ليصل إلى 18.6 مترا وفقًا لصحيفة “ذا أتلتيك”.
لكن الأسئلة التي يطرحها المتابعون اليوم عديدة: من هم أبرز المتخصصين في الرميات الطويلة في الدوري؟ وهل لبعض الملاعب تأثير أكبر من غيرها على تنفيذ تلك الرميات؟ وهل تنجح الحيل التي تلجأ إليها أندية مثل سندرلاند – مثل تحريك لوحات الإعلانات – في التأثير على هذه اللعبة؟
كايوودي.. سلاح برينتفورد الجديد
يعرف عن برينتفورد، منذ سنوات، اهتمامه الكبير بالكرات الثابتة، ويبدو أن الفريق استثمر هذا الجانب من جديد بعد انضمام الإيطالي مايكل كايوودي خلال فترة الانتقالات الشتوية الماضية. فمدرب الفريق الحالي كيث أندروز كان يعمل سابقا كمدرب متخصص في الكرات الثابتة، ولذلك فإن استغلال رميات كايوودي القوية يُعد جزءا طبيعيا من هوية الفريق.
كايوودي كان قد بدأ جذب الأنظار في فيورنتينا، حيث نفّذ 23 رمية طويلة في موسم 2023-2024، ثم 24 رمية أخرى خلال النصف الأول من موسم 2024-2025. وبعد انتقاله إلى برينتفورد، نفّذ 21 رمية طويلة خلال نصف موسم فقط، رغم مشاركته أساسًا في ست مباريات فقط.
أما هذا الموسم، فقد ارتفعت الأرقام بشكل مذهل: 54 رمية طويلة خلال 11 مباراة فقط، ليتصدر ترتيب اللاعبين في الدوري، متقدما على نوردي موكييلي من سندرلاند (46 رمية)، وكريس ريتشاردز من كريستال بالاس (29 رمية).
ويُعد كايوودي الأكثر ثباتا من حيث المسافة، إذ يبلغ متوسط طول رمياته 33.2 مترا، يليه لاعب توتنهام لوكاس بيرجفال بمتوسط 30.6 مترا من 16 رمية.
وتظهر أندية أخرى مثل بيرنلي (كايل ووكر)، وبورنموث (أنتوان سيمينيو)، وليدز يونايتد (إيثان آمبادو)، وإيفرتون (جيك أوبراين وميكولينكو) ضمن قائمة الفرق التي تعتمد بشكل كبير على هذا السلاح التكتيكي.
في المقابل، فإن الفرق الكبيرة ذات الهوية التمريرية الواضحة مثل تشيلسي ومانشستر سيتي، لا تمتلك أي لاعب نفّذ أكثر من رمية واحدة طويلة داخل منطقة الجزاء، بينما لا يتجاوز عدد لاعبي ليفربول وبرايتون الذين قاموا برميتين أو أقل.
ورغم أن كايوودي يملك أطول رمية في برينتفورد (38.5 مترا أمام فولهام)، فإن زميله ماتياس ينسن يمتلك الأرقام الأكبر: رمية وصلت إلى 45.4 مترًا أمام نوتنجهام فورست، وأخرى بطول 42.7 مترًا أمام كريستال بالاس.
ولم يتوقف تأثير برينتفورد عند هذا الحد، فقد سجّل الفريق خمس مرات من رميات تماس في موسم 2024-2025، وسجّل هذا الموسم ثلاث مرات حتى الآن، جاءت عبر: فابيو كارفاليو أمام تشيلسي، دانجو واتارا أمام ليفربول، وكيفن شاده أمام نيوكاسل.
أي الملاعب تُعد أكثر ملاءمة للرمية الطويلة؟
وعلى الرغم من سيطرة برينتفورد على معظم الإحصائيات، فإن الرقم القياسي لأطول رمية هذا الموسم ينتمي للاعب وولفرهامبتون رودريجو جوميز الذي سجّل رمية بطول 46.1 مترًا أمام إيفرتون.
المفارقة أن وولفرهامبتون لا يعتمد فعليا على هذه اللعبة، إذ نفّذ جوميز سبع رميات فقط خلال أربع مباريات، بينما يُعد ملعب “مولينيو” الأقل إنتاجًا من حيث متوسط طول الرميات في الثلث الهجومي.
ولا يبدو أن حجم الملعب له تأثير يذكر، رغم اختلافات الملاعب الأربعة التي لا تطابق أبعاد البريميرليج القياسية (105×68 م)، وهي: أنفيلد، كرافن كوتيدج، سيلهيرست بارك، وستامفورد بريدج. ويبدو أن التقنية الفردية للاعبين أهم بكثير من أبعاد الملعب.
هل تُحدث حيلة تحريك لوحات الإعلانات فرقًا؟
سندرلاند لجأ إلى حيلة معتادة: تقليل المساحة المخصصة لخطوات اللاعب قبل الرمية عبر تحريك لوحات الإعلانات نحو الملعب خلال مواجهة آرسنال. وهو أسلوب استخدمته فرق عديدة سابقًا لإيقاف خطورة ستوك سيتي تحت قيادة بوليس.
سندرلاند لديه تاريخ في مثل هذه التكتيكات؛ فقد قام بالفكرة نفسها أمام كوفنتري في ملحق الصعود لدوري الدرجة الأولى الموسم الماضي.
لكن – ورغم السمعة الكبيرة لآرسنال في الكرات الثابتة – لم يسجّل الفريق أي هدف من رمية تماس هذا الموسم.
الإحصائيات تُظهر أن متوسط طول الرميات في ملعب ستاديوم أوف لايت ارتفع من 8.3 مترًا في الجولة الأولى أمام وست هام، إلى 24.9 مترًا و27.4 مترًا أمام وولفرهامبتون وإيفرتون. أما أطول رمية في الملعب فقد جاءت من ميكولينكو بطول 33.2 مترا، وربما لهذا السبب قرر سندرلاند التضييق على خصومه عبر تحريك اللوحات قبل وصول آرسنال.
القوانين في البريميرليج لا تمنع تحريك اللوحات الإعلانية، بل تشترط فقط أن تبقى على بعد متر واحد من الخط. ووفقًا للمدرب المتخصص في الرميات الطويلة توماس جرونيمارك – الذي عمل سابقًا مع ليفربول وبرينتفورد – فإن هذا النوع من التلاعب يقع في “المنطقة الرمادية”.
جرونيمارك أوضح أن تقليل المسافة يقلّل قوة الرمية بشكل شبه أكيد، لأن اللاعب يحتاج لمسافة ركض مناسبة لتوليد القوة. لكنه أيضا أكد أن بعض اللاعبين قادرون على الوصول إلى مسافات كبيرة حتى مع مساحة صغيرة، بفضل التقنية والقدرات البدنية.
أما نادي ميتييلاند الدنماركي – حيث يعمل جرونيمارك حاليًا – فقد اتخذ الاتجاه المعاكس: قاموا بـ”صقل” بعض أجزاء المدرجات الأسمنتية لتوفير أفضل أرضية ممكنة للاعبين عند تنفيذ الرميات.
ورغم أن سندرلاند حاول الحد من تأثير آرسنال، إلا أن المباراة شهدت أعلى متوسط طول للرميات داخل الثلث الأخير هذا الموسم: 28.6 مترًا. لكن اللافت أن عدد الرميات الطويلة كان قليلا (5 فقط)، وهو ما يشير إلى أن تقليل مساحة الاقتراب ربما دفع الفرق إلى اعتماد الرميات القصيرة.
وخلاصة الأمر أن حيلة سندرلاند ربما كانت مجرد أداة نفسية لإرسال رسالة مباشرة للخصم: “نعرف خطورتكم… ونستعد لها”.