شهدت مباراة الديربي الجارية بين توتنهام هوتسبير وتشيلسي، ضمن منافسات الجولة العاشرة من الدوري الإنجليزي الممتاز، إصابة مبكرة لأحد لاعبي أصحاب الأرض.
وبعد مرور نحو 3 دقائق من بداية المباراة، سقط لاعب الوسط الشاب لوكاس بيرجفال بعد ضربة قوية في الرأس.
وبدوره، استدعى الحكم الطاقم الطبي لإسعاف اللاعب السويدي، الذي فحصه الطبيب بشكل سريع، وتبين له تعرضه لارتجاج في المخ، أثر عليه.
وسرعان ما طالب الطبيب المدرب توماس فرانك باستبدال بيرجفال، لكن الأخير بدا غير راض عن هذا الأمر، وحاول إقناع الطاقم الطبي ومدربه بقدرته على استكمال المباراة.
لكن الطبيب والمدرب أصرا على حماية اللاعب، ووضعا سلامته كأولوية بدلا من المجازفة بإبقائه داخل الملعب، وهو غير واعٍ بما يفعل.
خطر صامت في الملاعب
باتت إصابات ارتجاج المخ من القضايا الصحية الأكثر إثارة للقلق في كرة القدم الحديثة، بعدما أظهرت الدراسات تزايد معدلاتها بين اللاعبين، لا سيما بسبب الالتحامات الهوائية وضربات الرأس المتكررة.
ورغم أن اللعبة لطالما ارتبطت بالقوة البدنية، فإن السنوات الأخيرة كشفت عن مخاطر حقيقية طويلة الأمد قد تؤثر على ذاكرة اللاعب وصحته العصبية بعد الاعتزال.
يحدث ارتجاج المخ عندما يتعرض الرأس لصدام مفاجئ أو قوي يؤدي إلى اضطراب مؤقت في وظائف الدماغ، وغالبًا ما تظهر الأعراض بشكل تدريجي، مثل الدوار، أو فقدان التركيز، أو الغثيان، مما يجعل تشخيص الإصابة داخل المباراة صعبًا في كثير من الأحيان.
إزاء هذه المخاطر، تحرك الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بجدية خلال السنوات الأخيرة، وأطلق سلسلة من المبادرات لحماية اللاعبين.
فقد اعتمد الفيفا نظامًا جديدًا يسمح للحكام والأجهزة الطبية بإيقاف اللعب فورًا في حال الاشتباه بارتجاج، ومنح الفرق حق إجراء تبديل إضافي إذا استدعت الحالة خروج المصاب.
كما تم تدريب الأطقم الطبية على بروتوكولات موحدة لتقييم الإصابات الدماغية داخل الملعب، تشمل اختبار التوازن والذاكرة وردود الفعل قبل السماح للاعب بالعودة للعب، وهو ما طبقه طبيب السبيرز اليوم، مع بيرجفال.
وفي خطوة أكثر تقدمًا، بدأت الفيفا بالتعاون مع الاتحادات القارية لتطبيق تقنية المراقبة الطبية عن بُعد، والتي تتيح للأطباء تحليل لقطات الفيديو فورًا لتحديد شدة الصدمة، كما أطلقت حملات توعية موسعة لرفع إدراك اللاعبين والمدربين بخطورة تجاهل الأعراض.
ورغم أن كرة القدم ما زالت بعيدة عن القضاء الكامل على هذا النوع من الإصابات، فإن وعي الفيفا المتزايد وتطبيق الإجراءات الوقائية يمثلان تحولًا مهمًا نحو بيئة أكثر أمانًا.
فحماية الرأس ليست فقط لحظة طبية، بل هي حماية لمستقبل اللاعب وإنسانيته داخل وخارج الملعب.
لحظات مرعبة
رغم أن كرة القدم تُعرف كلعبة فنية مليئة بالإبداع والمتعة، فإنها شهدت عبر تاريخها لحظات مرعبة عندما تعرض بعض اللاعبين لإصابات ارتجاج في المخ، هزّت الجماهير وأثارت قلق الوسط الرياضي بأكمله.
تلك الحوادث المؤلمة كانت سببًا رئيسيًا في زيادة الوعي بخطورة الصدمات الرأسية وضرورة التعامل معها بجدية.
من بين أبرز تلك الحالات، تظل واقعة الحارس المخضرم بيتر تشيك عام 2006 الأشهر في التاريخ الحديث.
ففي مباراة بين تشيلسي وريدينج، اصطدم الحارس التشيكي بركبة أحد المهاجمين بقوة أدت إلى كسر في الجمجمة وارتجاج حاد في المخ.
كاد تشيك يفقد حياته لولا التدخل الطبي السريع، ومنذ ذلك الحين أصبحت الخوذة الواقية التي يرتديها رمزًا للسلامة في الملاعب.
كما شهد العالم حالة خطيرة أخرى للنجم الألماني كريستوف كرامر في نهائي كأس العالم 2014، عندما تلقى ضربة في الرأس أمام الأرجنتين وفقد وعيه جزئيًا، ومع ذلك استمر في اللعب لبضع دقائق قبل أن ينهار.
تلك الحادثة كانت ضمن لحظات فارقة دفعت الفيفا لاحقًا لتشديد بروتوكولات الفحص الطبي الفوري لأي إصابة في الرأس.
أيضًا، تعرض الأرجنتيني سيرجيو أغويرو أثناء فترته مع مانشستر سيتي لإصابة ارتجاج بعد اصطدام عنيف في الرأس خلال إحدى مباريات الدوري الإنجليزي، فيما عانى الإسباني ألفارو موراتا من إصابة مشابهة جعلته يغيب عن الملاعب لفترة طويلة.
كما لا يمكن نسيان حالة المهاجم المكسيكي راؤول خيمينيز مع وولفرهامبتون عام 2020، حين اصطدم بقوة مع ديفيد لويز، ما أدى إلى كسر في الجمجمة وخضوعه لجراحة دقيقة أبعدته عن الملاعب لأشهر.
تلك الحوادث، وغيرها كثير، جعلت الأندية والاتحادات تدرك أن السلامة العقلية والدماغية لا تقل أهمية عن اللياقة البدنية، خاصة بعد وفاة أكثر من لاعب فوق العشب الأخضر، نتيجة الالتحامات والصدمات القوية في الرأس.