بينما تنشغل بعض الأندية بـ”ماراثون الصفقات” وسباق الأسماء الرنانة، يبدو أن اتحاد جدة قد اختار مسارًا مختلفًا مع مديره الرياضي الإسباني رامون بلانيس، طريق أكثر هدوءًا، لكنه أكثر عمقًا أيضًا.
فبلانيس ليس غريبًا على صناعة الفرق من الظل، في برشلونة، لم يكن الرجل الأكثر ظهورًا في العناوين، لكنه كان خلف اكتشافات بارزة مثل رونالد أراوخو وبيدري، واللافت أن كلاهما جاء في لحظة لم يكن فيها البارسا في أفضل حالاته.
وعندما انتقل إلى ريال بيتيس، لم يغير أسلوبه، إيسكو، الزلزولي، شادي رياض ، كلهم وُضِعوا في المكان المناسب، في التوقيت المناسب.
اليوم، بلانيس يُعيد تطبيق فلسفته ولكن هذه المرة في جدة، داخل جدران “العميد”.
ليست مجرد تعاقدات
خلال أسابيع قليلة، ضم الاتحاد ثلاثة لاعبين شباب، جميعهم بعد دخولهم الفترة الحرة، محمد برناوي من الهلال، محمد هزازي من النصر، عدنان البشري من الأهلي، الذي سجل 22 هدفًا مع فريق الشباب.
هذه ليست صفقات “لتكميل القائمة”، بل إشارات على مشروع قادم، وعيون خبيرة تُراقب ما هو أكثر من الأسماء اللامعة.
فريق يتغير.. بصمت
من ينظر إلى قائمة الاتحاد اليوم، سيجد أن تحت سن 23 عامًا هناك أكثر من 10 أسماء واعدة، بينهم: فيصل الغامدي، أحمد الغامدي، معاذ فقيهي، أسامة المرمش، سعد الموسى، مروان الصحفي، طلال حاجي، فرحة الشمراني وغيرهم.
هؤلاء ليسوا مجرد “مواهب”، بل جزء من قاعدة يُبنى عليها مستقبل الاتحاد، في وقت أصبحت فيه سياسة التجديد أمرًا لا مفر منه.
رؤية أبعد من الموسم
الرهان على المواهب ليس مغامرة عشوائية، بل فلسفة تقوم على الاستثمار طويل المدى، وتحويل النادي إلى “بيئة خصبة” لصناعة اللاعبين، لا مجرد استهلاكهم.
هذه السياسة قد لا تُرضي العناوين الكبرى على المدى القصير، لكنها تصنع هوية حقيقية للنادي، لا تهتز بتغيّر المدربين، ولا ترتبك حين يغيب نجم.
بلانيس يعرف أن الجماهير قد لا تحتفل بتوقيع شاب عمره 18 عامًا كما تحتفل بصفقة أجنبية بـ10 ملايين يورو، لكنه يعرف أيضًا أن الفرق الكبيرة تُبنى من القاعدة، لا من القمة فقط.
الاتحاد الآن يقف على عتبة مرحلة جديدة، يقودها رجل لا يبحث عن ضوء الكاميرات، بل عن الضوء القادم من داخل المستطيل الأخضر.
رامون بلانيس لا يبني فريقًا لموسم واحد، بل يزرع مستقبلًا قد يثمر لسنوات وهذا في كرة القدم الحديثة، هو الإنجاز الحقيقي.