في الوقت الذي تعتمد فيه أندية الدوري الإنجليزي الممتاز على أحدث التقنيات وأفضل الكوادر التدريبية لتطوير لاعبيها، يظهر في الكواليس عامل جديد بات يصنع الفارق في أداء النجوم، وهو المدرب الشخصي.
وبعيداً عن أضواء الملاعب ومراكز التدريب، يلجأ عدد متزايد من اللاعبين إلى جلسات تدريبية خاصة تمنحهم أفضلية تنافسية وتساعدهم على صقل التفاصيل الدقيقة في أدائهم داخل الملعب.
ووفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، أصبحت ظاهرة التدريب الفردي تنتشر بسرعة بين نجوم البريميرليج، حيث يرى بعض اللاعبين أن العمل خارج منظومة النادي يمنحهم حرية أكبر لتطوير نقاط الضعف التي لا يستطيعون التركيز عليها خلال التدريبات الجماعية.
البحث عن الأفضل
مشاهدة لاعبي كرة القدم وهم يخضعون لحصص تدريبية على يد مدربين شخصيين باتت مألوفة على مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل رغبة متزايدة لدى النجوم في تحسين مستوياتهم بعيداً عن ضغوط الأندية.
ريان هوبر، أحد أبرز هؤلاء المدربين، عمل مع قائد مانشستر يونايتد برونو فيرنانديز وزميله ديوجو دالوت، كما درّب ماركوس راشفورد – المعار حالياً إلى برشلونة.
هوبر يُعد من بين عشرات المدربين الشخصيين في المملكة المتحدة الذين صنعوا لأنفسهم مسيرة مهنية ناجحة في تدريب نجوم الصف الأول.
ومن بين الأسماء الشهيرة التي لجأت إلى التدريب الفردي أيضاً جاك جريليش مهاجم إيفرتون، وكول بالمر لاعب تشيلسي، وأولي واتكينز مهاجم أستون فيلا.
لكن ما الذي يدفع هؤلاء النجوم، رغم توافر أفضل المرافق التدريبية داخل أنديتهم، إلى الاستعانة بمدربين شخصيين؟
يُجيب هوبر قائلاً: “في أندية مثل مانشستر يونايتد، تُبنى الحصص التدريبية على هدف الفوز بالمباراة المقبلة. هناك مدربون رائعون، لكن في التدريبات الجماعية قد يقف خلفك خمسة لاعبين، وإذا احتجت للعمل على تفصيلة صغيرة، فإنك بذلك تعطل الآخرين. في التدريب الفردي يمكننا التركيز على أدق التفاصيل”.
وأضاف: “بعض اللاعبين يرغبون في العمل على جوانب معينة من أدائهم لا يشعرون بالارتياح لعرضها أمام الجهاز الفني أو الإدارة في النادي”.
ما الذي يفعله المدرب الشخصي فعلياً؟
قبل بدء العمل الميداني، يقوم هوبر بتحليل أداء اللاعب من خلال مشاهدة مبارياته مراراً وتكراراً لتحديد المواقف المتكررة التي يواجهها في المباريات.
ويقول: “جاءني ماركوس راشفورد خلال فترة التوقف الدولي بعدما لم يُستدعَ لقائمة منتخب إنجلترا. لاحظت أنه يدخل إلى مناطق ممتازة، لكنه لا يتخذ القرارات الصحيحة عند التسديد. فقمنا بإعادة تلك المواقف في التدريب مراراً وتكراراً، وبعد عودته إلى يونايتد سجل ثلاثة أهداف في مباراتين”.
ويضيف: “هذا النوع من التدريب يمنح اللاعبين ثقة كبيرة. الأهم أن يعملوا على الجوانب التي يريدون تطويرها فعلاً، وإذا شعروا بتحسن بعد الجلسة التدريبية فمهمتي تكون قد أُنجزت. بعد ذلك يبقى عليهم ترجمة ذلك في المباراة”.
موقف الأندية والمدربين
رغم فوائده المحتملة، لا تنظر جميع الأندية بعين الرضا إلى التدريب الخاص، إذ تعتبر أن لاعبيها – الذين يمثلون أصولاً مالية ضخمة – يصبحون في أيدي أشخاص خارج المنظومة.
وقال سام ألارديس، المدير الفني السابق لنيوكاسل وبلاكبيرن ووست هام، لـ”بي بي سي سبورت”: “يجب أن تكون الأندية على علم بهذه التدريبات. من الرائع أن يدفع اللاعب من وقته وماله لتحسين مستواه، لكن إذا تم ذلك سراً دون علم النادي فسيكون الأمر خطيراً للغاية، لأن ذلك قد يعرض اللاعب لمزيد من الضغط والإجهاد والإصابات. لست ضد الأمر، لكن يجب أن يكون بالتنسيق مع النادي”.
هوبر بدوره يتفق مع هذا الطرح قائلاً: “التعاون هو الأساس. عندما يكون النادي والجهاز الفني منفتحين على الفكرة، يستفيد الجميع. بعض الأندية لا ترغب في التواصل، وهذا مقبول طالما يثقون بنا في الحفاظ على سلامة اللاعبين وتطويرهم”.
وأضاف: “الحوادث واردة في النهاية، قد يمد اللاعب قدمه بشكل خاطئ فيصاب بتمزق، أو يلتوي كاحله. هذه أمور عارضة يمكن أن تحدث في أي لحظة”.
عندما تسوء الأمور
يعرف المدرب توم كينج جيداً مخاطر تلك الحوادث العرضية، فقد تعرض لانتقادات في أغسطس/أب الماضي من مدرب بريستون، بول هكينجبوتوم، بعدما أُصيب مهاجمه دانيال جيبيسون خلال جلسة تدريبية خاصة.
وقال هكينجبوتوم حينها إنه “غاضب جداً” من إصابة لاعبه في الكاحل، مضيفاً: “هناك اتجاه متزايد بين اللاعبين للعمل مع مدربين من خارج النادي، أتفهم أن ما حدث كان حادثاً، لكن ذلك لن يتكرر مع أي لاعب من بريستون”.
كينج أبدى تفهمه لغضب المدرب، قائلاً: “أدرك تماماً أنه أمر يؤثر على النادي بأكمله، لكنه أثّر عليّ أيضاً”.
وأضاف لـ”بي بي سي سبورت”: “كانت إصابة عرضية ناجمة عن تفاعل بين قدم اللاعب وقطعة من المعدات التدريبية. الإصابات لا يمكن منعها تماماً، وهذه بالتحديد كانت شبه مستحيلة التوقع. لم تكن نتيجة تدريب غير آمن أو غير مناسب، فسلامة اللاعب تبقى أولويتي القصوى”.
تجنب الإصابات وضمان الأمان
قال كينج: “أنا لا أعمل إلا بموافقة الأندية وبالتنسيق الكامل مع الطاقم الفني. كل جلسة تدريبية مصممة لتكمل عمل النادي، لا لتتعارض معه. لن أعمل مع أي لاعب محترف دون علم ناديه ومشاركته في التفاصيل”.
أما هوبر، فأكد أن “أسوأ ما يمكن أن يحدث هو إصابة خطيرة”، مضيفاً: “سأتحمل المسؤولية حينها. عليّ الحفاظ على سلامة هؤلاء اللاعبين، فهم يمثلون أصولاً بملايين الجنيهات، ويجب أن أضمن لهم الأمان في كل خطوة”.
بهذا، يتحول المدرب الشخصي إلى سلاح خفي في عالم كرة القدم الحديثة، يجمع بين الطموح الفردي والانضباط المهني، لكنه في الوقت نفسه يثير جدلاً دائماً بين الابتكار والمخاطرة داخل أروقة أندية البريميرليج.