نجح المنتخب المغربي للشباب (تحت 20 عامًا)، بقيادة المدرب محمد وهبي، في كتابة فصل جديد من أمجاد الكرة المغربية، بعدما بلغ نهائي كأس العالم للشباب المقامة في تشيلي، لأول مرة في تاريخه، إثر فوزه المثير على منتخب فرنسا بركلات الترجيح، بعد انتهاء الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل (1-1).
وشكل هذا الإنجاز الكبير مصدر فرحة غامرة في مختلف المدن المغربية، إذ عكس التطور اللافت والطفرات الكبيرة التي تشهدها الكرة المغربية على مختلف المستويات.
وهبي يحتفظ بالتركيبة السحرية
واصل المدرب محمد وهبي الاعتماد على التشكيلة التي وصفها بـ”التركيبة السحرية”، والتي تألقت في دور المجموعات، حين أطاحت بكل من البرازيل وإسبانيا وتصدرت المجموعة الحديدية.
وشهدت التشكيلة الدفع بطه مجني، إلى جانب الثنائي الدفاعي الصلب إسماعيل باعوف – الذي تعالت الأصوات المطالبة بضمه للمنتخب الأول بقيادة الركراكي – وزميله إسماعيل البختي، خريج أكاديمية الجيش الملكي، والذي بصم بدوره على نسخة مميزة.
ومن بين أبرز التعديلات، كانت عودة القائد حسام الصادق، لاعب اتحاد تواركة، إلى التشكيل الأساسي، إضافة إلى الثلاثي الهجومي المرعب: جاسيم ياسين، عثمان معما، والهداف ياسر زابيري.
نهج تكتيكي مختلف أمام فرنسا
وهبي، المتخرج من بلجيكا، والمعروف بثباته على مبادئه التدريبية، لا سيما عدم تغيير التشكيل الفائز، أكد قبل المباراة أنه درس المنتخب الفرنسي جيدًا وتعرف على نقاط قوته.
وقد ترجم ذلك على أرضية الملعب من خلال تغيير النهج المعتاد، إذ تخلى عن أسلوب التراجع للدفاع واللعب على المرتدات، واعتمد على الضغط العالي منذ البداية، وفرض إيقاعًا مرتفعًا أربك به حسابات المنافس، خصوصًا اللاعب الخطير “بيناما”، الذي يُعتبر من أبرز مفاتيح لعب المنتخب الفرنسي.
وكانت أبرز فرص بيناما حين سدد كرة قوية من مسافة بعيدة، تصدى لها الحارس بنشاوش ببراعة، وأبعدها من الزاوية التسعين في واحدة من أفضل لقطات المباراة.
شخصية البطل
بعكس مباراتيه السابقتين أمام البرازيل وإسبانيا، حيث ترك المنتخب المغربي المبادرة لخصومه، ظهر الأسود أمام فرنسا بصورة مغايرة، إذ بادروا بالهجوم، وفرضوا رقابة لصيقة على مفاتيح لعب “الديوك”، ما منحهم الأفضلية منذ البداية.
واستمرت طريقة اللعب المعتمدة على بناء الهجمات من الخلف، انطلاقًا من الحارس بنشاوش، مرورًا بقلبي الدفاع باعوف والبختي، ووصولًا إلى اللاعب المتألق جاسيم الذي أرهق الدفاع الفرنسي بتحركاته على الأطراف وكراته العرضية الخطيرة.
وجاء أول تهديد مغربي في الدقيقة الخامسة، عبر تسديدة من معما مرت فوق العارضة، تلتها فرصة خطيرة في الدقيقة 12 حين مرر جاسيم كرة لزابيري الذي تأخر في اللحاق بها.
وفي الدقيقة 17، كاد جاسيم أن يكرر هدفه الرائع أمام البرازيل، لكن الحارس الفرنسي أولميتا أنقذ الموقف ببراعة.
تقنية الفيديو تبتسم للمغرب
واصل المنتخب المغربي ضغطه العالي وهجماته المركزة، خاصة عبر الصادق وزابيري ومعما، الذي سدد كرة على الطائر بعد تمريرة من جاسيم، كان من الممكن ترويضها قبل التسديد.
وفي الدقيقة 32، وبعد لجوء المدرب وهبي للبطاقة الخضراء – التي تُستخدم لأول مرة في هذه النسخة للطلب بمراجعة تقنية الفيديو – احتسب الحكم الأوروجوياني جوستافو تيكسيرا ركلة جزاء لصالح باعوف، بعد تعرضه للمسك أثناء محاولته لعب الكرة برأسه.
وانبرى زابيري لتسديدها، وصوّب كرة ارتدت من القائم في جسد الجارس الفرنسي لتسكن الشباك، وتعلن تقدم المغرب (1-0).
وكاد المنتخب المغربي أن يُنهي الشوط الأول بتقدم مريح، لكن ضاعت عليه فرصة أمام المرمى الخالي في الدقيقة 35، قبل أن يهدر معما فرصة أخرى في الدقيقة 39 بتسديدة علت العارضة، لينتهي الشوط الأول بتقدم أسود الأطلس.
فرنسا تعود والمغرب يصمد
دخل المنتخب الفرنسي الشوط الثاني بضغط أكبر، ونجح في إدراك التعادل في الدقيقة 52 عن طريق لوكاس، لاعب موناكو، الذي سدد في مرمى زميله في النادي الحارس بنشاوش، مستغلًا ثغرة في دفاع المغرب.
وتواصلت متاعب المنتخب المغربي بعد إصابة الحارس بنشاوش، الذي ارتطم بالعارضة أثناء تصديه لتسديدة خطيرة من بيناما في الدقيقة 62، ليضطر لمغادرة الملعب على نقالة، ويعوضه الحارس البديل جوميز.
تدخل وهبي سريعًا، فأخرج الصادق ودفع بالحداد من أجل استعادة التوازن في وسط الميدان، في ظل تفوق نسبي للمنتخب الفرنسي في الاستحواذ.
وبفعل الإرهاق، بدأ إيقاع المباراة في الانخفاض تدريجيًا، لينتهي الوقت الأصلي بالتعادل (1-1)، ويتم اللجوء إلى الأشواط الإضافية.
تفوق مغربي وطرد فرنسي
استعاد المنتخب المغربي زمام الأمور في الشوطين الإضافيين، وفرض سيطرته من جديد. وفي الدقيقة 107، تلقى لاعب فرنسا زينجولا البطاقة الحمراء بعد حصوله على الإنذار الثاني، وهو ما منح الأفضلية للمغرب.
وضغط الأسود بكل قوة لإحراز هدف الفوز، لكن مهاجميه أهدروا فرصًا سهلة، أبرزها تسديدتان من معما في الدقيقتين 112 و114 داخل منطقة الجزاء، حيث افتقد التركيز في اللمسة الأخيرة.
احتكم الفريقان لركلات الترجيح، التي ابتسمت للمنتخب المغربي (5-4)، ليحقق تأهلًا تاريخيًا إلى نهائي كأس العالم للشباب لأول مرة في تاريخه، وينتظر الفائز من الأرجنتين وكولومبيا، مواصلًا رحلة الإبهار، والتأكيد على أن الكرة المغربية تسير بثبات نحو القمة على مختلف الأصعدة.