لم يتوقع كثيرون أن يفوز عثمان ديمبلي، نجم باريس سان جيرمان ومنتخب فرنسا بجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم، يوما ما، وأولهم الجناح الدولي نفسه.
وقال ديمبلي مساء الإثنين: “الفوز بالكرة الذهبية لم يكن ضمن أهدافي، ولكنني سعيد وفخور بهذه الجائزة المرموقة، التي يعود الفضل فيها للإدارة والجهاز الفني وزملائي اللاعبين، إنها جائزة للفريق بأكمله”.
وأصبح “عثمان” الذي ينحدر من أصول مالية وسنغالية وموريتانية، سادس لاعب فرنسي يحقق البالون دور، لينضم إلى أساطير بارزين مثل ريموند كوبا وميشيل بلاتيني وجان بيير بابان وزين الدين زيدان، وأخيرا كريم بنزيما الذي حققها عام 2022.
وانتزع ديمبلي الجائزة بفضل مساهمته البارزة في تتويج فريقه بخمسة ألقاب محلية وقارية، أبرزها بالطبع، الحلم الأكبر، دوري أبطال أوروبا، لأول مرة في تاريخ النادي.
كسر التوقعات
كسر النجم الفرنسي الدولي كل التوقعات، بعدما كانت مسيرته السابقة كارثية، وعامرة بالمشاكل والأزمات داخل الملعب أو خارجه سواء مع نادي رين أو بوروسيا دورتموند أو برشلونة، وأيضا باريس سان جيرمان.
وأقر عثمان ديمبلي بهذه المشاكل، فقد قال في حوار لمجلة “أونزي مونديال” التي منحته جائزة الأفضل في العالم قبل “فرانس فوتبول” أنه هدد بالفعل بأنه سيعتزل اللعب في سن مبكرة عندما كان في صفوف رين، ولكن على سبيل “التهديدات الفارغة” للضغط على مسؤولي النادي لمنحه فرصة للمشاركة مع الفريق الأول.
وبانتقاله إلى دورتموند، لم يبق “عثمان” سوى موسما واحدا حتى جاءه عرض مغر من برشلونة يقترب من 150 مليون يورو، ولجأ إلى الضغط هذه المرة بالتمرد والانقطاع عن التدريبات حتى وافق مسؤولو النادي على رحيله.
في القلعة الكتالونية كانت مسيرة ديمبلي عامرة بالإصابات والعمليات الجراحية التي أبعدته عن المستطيل الأخضر لأشهر طويلة على مستوى الركبة والألياف العضلية، وهو ما قلص معدل مشاركاته في المباريات خلال الفترة من 2017 إلى 2022، وبدأت وسائل الإعلام تلقبه بـ “اللاعب الزجاجي”.
قبلة الحياة
وفي آخر موسمين مع البارسا، عاد ديمبلي للحياة نسبيا تحت قيادة المدرب تشافي هيرنانديز، وجدد تعاقده بالفعل حتى صيف 2024، حيث تراجع نسبة إصاباته وزاد معدل مشاركاته، ولكنه فاجأ النادي بعد عام واحد فقط، وقرر الرحيل في صيف 2023 مقابل تفعيل الشرط الجزائي الضعيف في عقده (50 مليون يورو) لينتقل إلى بي إس جي.
وبخلاف الإصابات، فقد عُرف عن ديمبلي طوال مسيرته مع برشلونة بضعف حالته الذهنية أيضا وعدم التركيز أمام مرمى المنافسين مما تسبب في إهدار الفرص برعونة وفي أوقات حاسمة، فلا ينسى له الكثيرون إضاعة فرصا محققة في مباراة ليفربول بقبل نهائي دوري أبطال أوروبا في 2019 كانت كفيلة بفوز عريض لبرشلونة أكثر من 3-0 ويجنبه عودة ليفربول المثيرة بالفوز برباعية نظيفة في أنفيلد.
استمرت مشكلة الرعونة وإهدار الفرص مع ديمبلي في موسمه الأول مع باريس سان جيرمان، لدرجة أنه سخر من نفسه عقب إحدى المباريات قائلا: “ربما أحتاج لتثبيت قدمي بمسامير لتفادي الانزلاق أمام مرمى المنافسين”.
ففي أول موسم اكتفى ديمبلي بتسجيل 6 أهداف مع 15 تمريرة حاسمة في 42 مباراة بجميع المسابقات، ولكنه وجه طعنة قوية لناديه القديم برشلونة بهز شباكه ذهابا وإيابا، ليطيح به خارج دوري أبطال أوروبا من دور الثمانية في عام 2024.
شفرة إنريكي
ورغم استمرار مشاكله الفنية، كان إنريكي داعما بقوة لديمبلي، ولا يتوقف عن الإشادة به في كل مؤتمر صحفي، مشددا على أنه أفضل اللاعبين في العالم، ليرد ديمبلي ثقة مدربه وينفجر بقوة في الموسم الثاني، وتحديدا منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي.
قضى ديمبلي موسمه الأفضل والأقوى والأجمل في 2024-2025 حيث سجل 35 هدفا مع 16 تمريرة حاسمة في 53 مباراة بجميع المسابقات، ليساهم في تتويج فريقه بألقاب الدوري والكأس والسوبر الفرنسي والأوروبي ودوري أبطال أوروبا، وفضية كأس العالم للأندية.
وكان كلمة السر في هذه الطفرة الرقمية الهائلة قرار المدرب لويس إنريكي بتغيير مركز ديمبلي من الجناح الهجومي إلى رأس الحربة الصريح، واعترف النجم الفرنسي بذلك عقب تسلم الكرة الذهبية، قائلا: “إنريكي بمثابة أبي، لأنه أحيا مسيرتي المهنية”.
ورغم تعرضه لانتقادات عنيفة في وسائل الإعلام، لكن إنريكي كسب الرهان، وفسر إصراره قائلا: “لاعب مثل ديمبلي لا يحتاج للمس الكرة كثيرا بل بفضل مهارته ومراوغاته وسرعته بإمكانه الوصول إلى مرمى المنافسين بعد لمسة أو لمستين للكرة”.
من جانبه أوضح ديمبلي في مقابلة مع صحيفة (أونزي مونديال): “أنا جاهز للمشاركة في أي مركز، وأتمتع بحرية كبيرة في الملعب، لكن معدلي التهديفي تحسن في مركز رأس الحربة، لأن المدرب يطالبني بالضغط على مدافعي المنافس في مسافة تتراوح بين 10 أمتار إلى 15 مترا، وهذا مريح لي بعكس اللعب في مركز الجناحين الذي يتطلب قطع مسافات كبيرة بطول الملعب للالتزام بالمهام الدفاعية إذا تجاوزني الظهير الدفاعي للخصم”.
لذا فإن شفرة إنريكي، ربما أدت إلى احتفاظه بمخزون طاقة عثمان ديمبلي في مساحة معينة داخل أرض الملعب، ليتطور معها المعدل التهديفي بشكل ملحوظ للغاية بفضل ارتفاع المعدل البدني والذهني ليصبح أكثر تركيزا ودقة، ويتخلص من عقدة اللاعب الزجاجي، ولم يعد بحاجة لمسامير لتثبيت أقدامه في الملعب.