بعد مباراة استثنائية في عام 2002، والتي شهدت فوز سانت باولي الملقب بـ “قاهر بطل العالم” على بايرن ميونخ حامل كأس الإنتركونتيننتال آنذاك، يأمل مشجعو نادي “كيزكيكر” أن يتكرر الأمر مجدداً، حيث يسافر الفريق القادم من هامبورج إلى ميونخ في الجولة 12 لمواجهة النادي الذي قدم لهم المساعدة المالية في عدة مناسبات.
التباين الجذري بين الناديين
إذا نظرت إلى طرق تأسيس وتشكيل وإدارة أندية كرة القدم المختلفة، فستجد سانت باولي يقف في طرف، بينما يقف بايرن ميونخ على الطرف الآخر تماماً. ويختلف الناديان بشكل كبير في الهيكل والروح والتاريخ، حيث يُعرف باولي بأنه ذو توجه يساري مشهور، ومستوحى من ثقافة “البانك”، ويشمل مشجعيه من منطقة الطبقة العاملة في هامبورج. في المقابل، بايرن هي شركة مساهمة عامة تنتمي إلى القوة الاقتصادية للبلاد في الجنوب الثري، ويبلغ حجم مبيعاتها مئات الملايين سنوياً.
هناك أيضاً تفاوت كبير في الإنجازات داخل الملعب، قائمة ألقاب بايرن لا يمكن حصرها؛ فهو النادي الأكثر تتويجاً في ألمانيا، ويملك 33 لقباً للدوري الألماني، و20 لقباً لكأس ألمانيا، و11 لقباً لكأس السوبر المحلي، بالإضافة إلى ستة ألقاب لدوري أبطال أوروبا، ولقبين لكأس العالم للأندية ولقبين لكأس الإنتركونتيننتال. أما سانت باولي، فلقبه الوطني الوحيد على مستوى البلاد هو الفوز بلقب دوري الدرجة الثانية مرتين، خلال حملتي الصعود الناجحتين في موسمي (1976- 1977) و(2023- 2024).
لقب “قاهر بطل العالم”
استغلت قنوات كرة القدم الألمانية هذه الاختلافات لتسويق اللقاءات بين الناديين كـ “حرب طبقات”، مؤكدة على المسافة في كل شيء بين الفريق الذي يرتدي اللون البني بشعار الجمجمة والعظمتين، والنادي البافاري البراق المعروف بـ “إف سي هوليوود”.
أدى ذلك إلى مواجهات حماسية، وعلى الرغم من أن بايرن هو الفائز المعتاد، إلا أن هناك إزعاجات لا تُنسى، أبرزها في 6 فبراير 2002 عندما فاز باولي، الذي كان يتذيل الترتيب، على بايرن (2-1) في معقله بملعب ميلرنتور.
احتفل المشجعون آنذاك بطباعة قمصان تحمل واحدة من أجمل الكلمات الألمانية المركبة: “Weltpokalsiegerbesieger” (قاهر بطل كأس العالم)، في إشارة إلى أن بايرن كان حاملاً لكأس الإنتركونتيننتال في ذلك الوقت.
المساعدة المالية
في حين أحدثت النتيجة والقمصان ضجة كبيرة، فإن ذلك الفوز لم يساعد “كيزكيكر” في البقاء في دوري الأضواء. هبط الفريق في المركز الأخير، وتفاقم الوضع بهبوطه إلى دوري الدرجة الثالثة في العام التالي.
وكانت مالية النادي ممزقة، وكان بحاجة إلى ما يقرب من 2 مليون يورو للحصول على ترخيص للعب في الدرجة الثالثة. أطلق باولي حملة لجمع التبرعات شملت بيع حوالي 140 ألف قميص باسم “المنقذ”.
وهنا تدخّل بايرن، عندما عرض رئيسه أولي هونيس اصطحاب فريقه المليء بالنجوم للعب مباراة ودية لجمع التبرعات في هامبورج. على الرغم من فوز بايرن (1-0) في 12 يوليو 2003، إلا أن سانت باولي كان الفائز الحقيقي، حيث تنازل بايرن عن حصته من إيرادات التذاكر، تاركاً كامل المبلغ، 200 ألف يورو، لمساعدة المضيفين في مهمتهم.
لحظة الوحدة والدعم المتجدد
تذكر هونيس في عام 2023 قائلاً: “قبل المباراة، أعطاني أحدهم قميص (المنقذ) البني هذا ولم يكن مناسباً لي تماماً، كنت قد اكتسبت وزناً كبيراً في ذلك الوقت لكني تمكنت من ارتدائه، وهذا لم يكن سهلاً. كنت فخوراً جداً بالسير عبر الملعب والوصول إلى مقعدي في موجة من النشوة. كان هذا شيئاً جديداً تماماً؛ لم نكن معتادين على ذلك كممثلين لبايرن ميونخ”.
وُضعت لافتات حول ملعب ميلرنتور كُتب عليها: “شكراً لك، أولي هونيس” تعبيراً عن امتنان مشجعي باولي، في لحظة فريدة قربت مجموعات مشجعي الناديين. منذ ذلك الحين، أعاد “كيزكيكر” بناء نفسه، وعاد إلى البوندسليجا لموسم واحد (2010- 2011) قبل عودته الكبيرة في 2024. وقد أعلن هونيس في الموسم الماضي عن تعزيز الروابط طويلة الأمد بين الناديين من خلال شراء أسهم تعاونية في ملعب “ميلرنتور” الخاص بسانت باولي. وانضم هونيس إلى أكثر من 19 ألف شخص أصبحوا أعضاء في هذه التعاونية، التي تولت غالبية ملكية الملعب.
ومع ذلك، سيتم “ركن هذا الامتنان” جانباً بلا شك، حيث يتطلع باولي إلى إيقاف سلسلة من ثماني هزائم متتالية في الدوري الألماني (رقم قياسي للنادي)، عندما يسافرون جنوباً لمواجهة بايرن ميونخ في “أليانز أرينا” في الجولة 12، وذلك بعد تعرض العملاق البافاري لأول هزيمة له هذا الموسم بسقوطه أول أمس أمام آرسنال بنتيجة (3-1) في دوري أبطال أوروبا.