تواصل أكاديمية برشلونة “لاماسيا”، تأكيد سمعتها كمنجم لا ينضب للمواهب، وهذه المرة من خلال الجناح الواعد سما نوموكو، الذي بات أحدث اكتشافات النادي الكتالوني وسلاحاً هجومياً جديداً يثير الإعجاب بقدراته.
وجذب الشاب الموهوب، الأنظار بقوة بعد سلسلة من العروض اللافتة مع فريق برشلونة أتلتيك، ليُطرح اسمه كأحد أبرز الوجوه الصاعدة في البيت الكتالوني.
ووفقاً لصحيفة “موندو ديبورتيفو“، فقد أصبح اسم سما نوموكو يتردد كثيراً داخل النادي، بعد تألقه اللافت هذا الموسم مع برشلونة أتلتيك، إذ تحول إلى عنصر أساسي لا غنى عنه في تشكيلة المدرب جوليانو بيلّيتي.
ودخل نوموكو، الجولة الأخيرة من الدوري في قمة مستواه، بعدما سجل في مباراتين متتاليتين أمام سانت أندرو وأولوت، كما قدم تمريرة حاسمة ضد باريس سان جيرمان في دوري الشباب، قبل أن يواصل تألقه بصناعة هدفين لزميله فيكتور بربيرا أمام ريوس.
واكتشف بيلّيتي، قدرات نوموكو سريعًا، فاللاعب يتمتع بقدرة فطرية على خلق فرص التسجيل دون اعتماد كبير على زملائه.
ويلتزم الجناح الواعد، بموقعه على الجانب الأيمن، حيث تمنحه سرعته الفائقة وقوته البدنية تفوقاً واضحاً في المواقف الفردية، مما جعله طريقاً مباشراً نحو منطقة الجزاء.
وفي أكاديمية “لاماسيا”، لم يكن هذا الظهور القوي مفاجئاً تماماً، فالكثيرون كانوا يتوقعون منذ فترة انفجار موهبته.
ففي الموسم الماضي، تولى بول بلاناس، مدرب فريق الشباب “أ”، مهمة صقل نوموكو وتطويره، قبل أن يمنحه بيلّيتي، الفرصة للظهور في دوري الشباب.
أما هذا الموسم، فقد وجد المدرب البرازيلي نفسه، دون الثلاثي الهجومي الذي اعتمد عليه العام الماضي، المكوَّن من جان فيرجيلي وهوجو ألبا وأرناو براداس، ليغتنم نوموكو، الفرصة، ويصبح هو النجم الجديد في الجهة اليمنى بفضل مستواه المميز.
ويتحدث المسؤولون في “لاماسيا” بإعجاب عن قدراته، مؤكدين أن “لديه ميزة في إرسال العرضيات تساوي ملايين كثيرة”.
ويتمتع نوموكو بذكاء تكتيكي في التعامل مع الظهير المنافس، إذ يعرف كيف يخلق المساحة المناسبة لتمرير الكرات الدقيقة، سواء بالمراوغة أو بالانطلاق السريع خلف المدافعين، كما حدث في تمريرتيه الحاسمتين إلى بربيرا، وإضافة إلى ذلك، أظهر انسجاماً كبيراً مع زميله شافي إسبارت، الظهير الذي يمتلك ميولاً هجومية واضحة.
وخلال موسم 2024-2025، لعب نوموكو مع فريق الشباب (ب)، الذي كان يفتقر إلى مهاجم صريح، حيث كان أدريان جيريرو يشغل مركز المهاجم رغم طابعه كصانع ألعاب أكثر من هداف.
ورغم غياب رأس الحربة داخل منطقة الجزاء، لم يتوقف نوموكو عن تطوير دقته في العرضيات وتحسين قراراته الهجومية، مؤكداً استعداده الدائم للتعلم والنمو.
كما حظي نوموكو بعمل خاص على الجانب النفسي، إذ كان معتاداً على الفوز وسير الأمور بسهولة لصالحه، لكنه تعلم تدريجياً كيفية التعامل مع الضغوط والمواقف الصعبة مع ارتفاع مستوى التحديات.
ويؤكد المقربون من نوموكو، أن سقف طموحه لا يزال عالياً، وأن ما يقدمه حالياً ليس سوى بداية لمسيرة واعدة، إذ رفع بالفعل من المستوى التنافسي داخل صفوف برشلونة أتلتيك، ليصبح مثالاً جديداً على نجاح “لاماسيا” في صناعة الأمل لمستقبل النادي.
منجم الذهب في برشلونة
تُعد أكاديمية “لاماسيا” من أبرز مصانع المواهب في تاريخ كرة القدم العالمية، وواحدة من أهم ركائز هوية نادي برشلونة.
وتأسست الأكاديمية رسميًا عام 1979 في مبنى تاريخي بالقرب من ملعب الكامب نو، حمل الاسم ذاته “لاماسيا دي كان بلانيس”، وكانت الفكرة قائمة على تطوير لاعبين شبان بأسلوب لعب يعتمد على الاستحواذ، التمرير السريع، والفكر الجماعي الذي يميز فلسفة برشلونة المعروفة بـ “التيكي تاكا”.
ومنذ بدايتها، سعت “لاماسيا” إلى غرس قيم النادي في لاعبيها، مثل التواضع والانضباط والعمل الجماعي، إلى جانب تطوير المهارات الفنية والذكاء التكتيكي، وبدأت شهرتها العالمية تتوسع في التسعينيات، حين برزت أسماء مثل جوارديولا وسيرجي بارخوان وكارليس بويول.
لكن المجد الحقيقي جاء في العقد الأول من الألفية الجديدة، مع الجيل الذهبي الذي قاده بيب جوارديولا مدربًا، وضمّ نخبة من خريجي الأكاديمية، أبرزهم تشافي هيرنانديز، أندريس إنييستا، وليونيل ميسي، الذين صنعوا فريقًا لا يُنسى تُوج بالسداسية التاريخية عام 2009.
وخلال تلك الفترة، أصبحت “لاماسيا” نموذجًا يُحتذى به في العالم، إذ أثبتت أن النجاح الرياضي يمكن أن يُبنى على التكوين الداخلي، لا على الصفقات الضخمة، كما أن فلسفتها لم تقتصر على كرة القدم فقط، بل ركزت أيضًا على التعليم الأكاديمي والشخصي للاعبين، مما جعلها بيئة متكاملة لإعداد أجيال من المحترفين.
وفي السنوات الأخيرة، واصلت الأكاديمية، إنتاج المواهب رغم التغيرات الإدارية، لتقدّم للعالم وجوهاً جديدة مثل أنسو فاتي وجافي ولامين يامال، الذين يعيدون كتابة قصة لاماسيا الحديثة.
وبين الماضي والحاضر، تبقى الأكاديمية رمزًا للفلسفة الكتالونية التي تمزج بين الهوية، والابتكار، والإبداع الكروي، وتجسد روح برشلونة بشعارها الخالد “أكثر من مجرد نادٍ”.