يواصل ريال مدريد تنفيذ سياسة مدروسة تقوم على اكتشاف واستقطاب المواهب الشابة مبكرًا من القارة الأمريكية، في مشروع طويل الأمد جعل النادي الملكي يتفوق على منافسيه في تحديد النجوم قبل أن يلمعوا عالميًا.
هذه الاستراتيجية لم تقتصر على أمريكا الجنوبية فقط، بل امتدت مؤخرًا لتشمل المكسيك، ما يعكس رؤية واضحة للنادي في التحكم بسوق اللاعبين الشبان قبل أن ترتفع أسعارهم بشكل كبير.
ووضع ريال مدريد اللاعب المكسيكي الشاب جيلبرتو مورا، نجم تيخوانا البالغ من العمر 17 عامًا، تحت المجهر، ضمن خططه لتوسيع نفوذه في أمريكا الشمالية.
ويُعد مورا واحدًا من أبرز المواهب المكسيكية الصاعدة، وهو يرافق الأرجنتيني فرانكو ماستانتونو (18 عامًا) الذي انضم مؤخرًا إلى النادي، في إطار استراتيجية منهجية استمرت أكثر من عقد من الزمان لاكتشاف أفضل اللاعبين في القارة الأمريكية.
الهيمنة على سوق المواهب في أمريكا الجنوبية
يضم ريال مدريد ثلاثة لاعبين ضمن قائمة أغلى عشرة لاعبين من أمريكا الجنوبية في العالم، وهم: فينيسيوس جونيور بقيمة سوقية تصل إلى 150 مليون يورو، فيدريكو فالفيردي بقيمة 130 مليون يورو، ورودريجو بـ80 مليون يورو.
وإذا توسعت القائمة لتشمل أعلى عشرين لاعبًا، ينضم إليها ماستانتونو بقيمة 50 مليون يورو، إضافة إلى نيكو باز، الذي اكتشفه النادي في تينيريفي ويُعد اليوم من أبرز لاعبي منتخب الأرجنتين، مع نية النادي لاستعادته الصيف المقبل مقابل 55 مليون يورو.
وتعود جذور هذه السياسة إلى عام 2013، حين بدأ رامون مارتينيز، أحد مسؤولي النادي حينها، بوضع استراتيجية لشراء المواهب اللاتينية بأسعار منخفضة وتطويرها في مركز فالديبيباس. وقد كان وراء التعاقد مع كاسيميرو مقابل 5.3 مليون يورو وفالفيردي مقابل 5 ملايين يورو، مع اهتمام خاص بالكرة الأوروجويانية.
أما الكشاف البارز جوني كالافات، فقد قام بأولى هذه الصفقات الناجحة حين اكتشف فالفيردي، الذي كان يُعرف آنذاك بـ”العصفور الصغير”، وأصبح لاحقًا أحد ركائز الفريق. يشغل كالافات اليوم منصب كبير الكشافين الدوليين في ريال مدريد، وله تأثير واسع على سوق اللاعبين الأمريكي.
EPA
الذكاء الاقتصادي والجاذبية التاريخية
يعتمد ريال مدريد على مزيج من جاذبيته التاريخية وذكائه الاقتصادي، إذ يسعى لضُم اللاعبين قبل أن تصل أسعارهم إلى مستويات خيالية، ثم يصقلهم ويطورهم ليبرزوا على الساحة العالمية من معقله في “تشامارتين”.
وتظل القدرة على الإقناع من أهم أدوات نجاح هذه الاستراتيجية، كما كشف رودريجو في حديث لصحيفة “آس”، عندما قال: “كنت قد وقعت مع برشلونة بالفعل، لكن والدي أخبرني أن ريال مدريد اتصل بنا وطلب مني الاختيار.. بالنسبة لي كان القرار سهلاً، كنت أعرف ما أريده وما هو حلمي، ولم أتردد لحظة واحدة”.
هذه القصة تتكرر مع كل جيل من النجوم، كما حدث مع فينيسيوس قبل عام واحد، ثم إندريك لاحقًا، إذ رفض الثلاثة عروض برشلونة وبقية الأندية الكبرى من أجل الانضمام إلى ريال مدريد.
التحديات والإخفاقات السابقة
رغم النجاح الكبير لهذه السياسة، لم يعد النادي يجد صفقات بأسعار منخفضة كما كانت الحال مع كاسيميرو وفالفيردي، خاصة أن اللاعبين الشباب لم يعودوا يقبلون اللعب في فريق الكاستيا.
وكانت بعض التجارب السابقة غير ناجحة، مثل المهاجم البرازيلي رودريجو رودريجيز (18 عامًا) الذي انضم عام 2018 ولم يسجل أي هدف في ست مباريات، وأوجوستو جالفان (18 عامًا) الذي شارك في 19 مباراة بمجموع 552 دقيقة.
ولا يكتفي ريال مدريد بالمراقبة عن بُعد، بل يرسل كشافيه بانتظام لمتابعة بطولات الشباب في القارة، حيث تواجد مؤخرًا في كأس العالم تحت 20 عامًا في تشيلي، وشارك في أبريل الماضي ببطولة أمريكا الجنوبية تحت 17 عامًا في كولومبيا، المؤهلة لمونديال فئة الشباب في قطر.
AFP
نجوم جدد يظهرون على الساحة
برزت أسماء جديدة خلال هذه البطولات، أبرزها البرازيلي ديل (17 عامًا)، مهاجم باهيا، الذي فرض نفسه بقوة حتى وصلت قيمة الشرط الجزائي في عقده إلى 100 مليون يورو بعد اهتمام مانشستر سيتي وميلان، ما يعزز إيمان ريال مدريد بضرورة التحرك المبكر لاكتشاف النجوم قبل الجميع.
بهذه السياسة، يواصل ريال مدريد رسم خارطة تحكمه بسوق المواهب في القارة الأمريكية، مستفيدًا من خبرته الطويلة، واستراتيجيته الذكية، وقدرته على إقناع اللاعبين الشبان بالانضمام إلى النادي قبل أن تتضاعف أسعارهم في السوق العالمية، مؤكداً مكانته الرائدة في كرة القدم الحديثة.