عندما تعجز الحلول في المقدمة، فإن القادمين من الخلف عادة ما يقولون كلمتهم ويساهمون في انتصارات فرقهم، إذ لا يتعلق الأمر فقط بالمهام الدفاعية والتزام الأظهرة بها، لكن تبقى أيضا الاسهامات الهجومية مؤثرة.
وفي كرة القدم الحديثة باتت الأرقام التهديفية للظهير يمكن أن تقارن بصناع اللعب من حيث الصناعة والتسجيل، وربما حتى الأجنحة، نظرا لأن الخطط الهجومية لبعض المدربين تجعل دور الظهير لا يقل أهمية عن أي لاعب آخر في الثلث الهجومي.
ولعل أبرز الأمثلة كان الفرنسي ثيو هيرنانديز لاعب ميلان السابق، والهلال السعودي الحالي، الذي قدم مستويات مبهرة فاقت التوقعات مع الزعيم، وبرهنت على أن رهان الإيطالي سيموني إنزاجي عليه كان محقا فيه، حتى ولو أدى الأمر لاستبعاد أدى إلى رحيل البرازيلي رينان لودي الظهير الأيسر الذي تألق مع الهلال سابقا.
تألق لودي كان على مستوى التقدم وصناعة الأهداف في الموسم الماضي، لكن ثيو قدم ما هو أكثر من ذلك، بثقة كبيرة تجعله يتوغل في المناطق الدفاعية للمنافسين ويسجل بطريقة المهاجمين الكبار.
وأمام ناساف الأوزبكي استطاع ثيو أن يعيد الهلال بهدف رائع سجله من خلال مهارة فردية في التوغل، ثم إنهاء مميز لا يخطر بمخيلة أغلب المدافعين.
تقييم مرتفع
ويعد أقل تقييم حصل عليه ثيو هو 6.3 في مباراة لم يخسرها الهلال أيضا، بل تعادل فيها 2-2 ضد القادسية، لكنه بشكل عام لم يحصل على أقل من 7 في أغلب المباريات و8 في بعض الأحيان بحسب منصة “سوفا سكور”.
وفي مباراة الأخدود التي فاز فيها الهلال 3-1 وسجل فيها هيرنانديز هدفا، بلغت نسبة دقة تمريراته 98% ما يعني أن اللاعب من النادر أن تخرج الكرة من قدمه بشكل خاطئ.
خبرات كبيرة
ومنذ انتقاله إلى الهلال في صيف 2025 قادمًا من ميلان الإيطالي مقابل 25 مليون يورو، دخل الفرنسي هيرنانديز سريعًا في قلب المشهد الكروي السعودي والآسيوي. اللاعب الذي قضى سنوات ناجحة مع الروسونيري، مسجلاً 34 هدفًا وصانعًا 41 آخر في 262 مباراة، جاء إلى الهلال وسط توقعات كبيرة، ولم يحتج وقتًا طويلًا ليؤكد أنه صفقة من العيار الثقيل.
مع بداية الموسم الحالي، شارك هيرنانديز في نحو ست مباريات بمختلف البطولات، مسجلاً ثلاثة أهداف خلال 688 دقيقة لعب، بمعدل هدف كل مباراتين تقريبًا، وهو رقم لافت بالنظر إلى مركزه كظهير أيسر. إضافة إلى ذلك، بلغت دقة تمريراته حوالي 89%، وهو ما يعكس فاعليته في الحفاظ على الاستحواذ والمساهمة في بناء اللعب. اللاعب قام بثماني محاولات تسديد، ثلاث منها جاءت بين القائمين والعارضة، ما يبرز شجاعته الهجومية واندفاعه المستمر نحو مرمى المنافسين.
الأرقام تؤكد أن هيرنانديز لم يأتِ ليكون مجرد مدافع إضافي، بل جناح هجومي متحرك قادر على إحداث الفارق في الثلث الأخير. انطلاقاته من الخلف أربكت دفاعات الخصوم، وسرعته في التحول من الدفاع إلى الهجوم منحت الهلال خيارًا إضافيًا في تنويع أسلوب اللعب. ولعل اللافت أنه رغم غياب التمريرات الحاسمة حتى الآن، إلا أن حضوره الهجومي يزيد من مساحة وحرية حركة المهاجمين، الأمر الذي يُترجم في صورة فرص أكثر للفريق.
لكن الوجه الآخر للعملة يتمثل في الواجبات الدفاعية. اندفاع ثيو المتكرر قد يترك مساحات خلفه، وهو ما يحتاج الهلال إلى موازنته، خاصة في المباريات الكبرى أمام منافسين يجيدون استغلال المرتدات. ومع ذلك، فإن قدرته على الضغط والافتكاك السريع تجعل خسائر تقدمه أقل خطرًا مقارنة بغيره من الأظهرة.
من الناحية الذهنية، بدا اللاعب متأقلمًا سريعًا مع أجواء الدوري السعودي، حيث انسجم مع زملائه وظهر بثقة عالية، وكأنه يلعب في الفريق منذ سنوات. وجوده منح الهلال إضافة نوعية على مستوى الجانب الأيسر، سواء هجوميًا أو في خلق التوازن مع خط الوسط. كما أن شخصيته القيادية وخبراته الأوروبية تعزز من قيمة الهلال فنيًا ومعنويًا في المنافسات المحلية والقارية.
معشوق الجماهير
الجماهير الهلالية أبدت إعجابها الشديد ببدايته القوية، حيث اعتبرته الصفقة الأكثر تأثيرًا حتى الآن في سوق الانتقالات الصيفية الأخيرة. تفاعل المشجعون على مواقع التواصل الاجتماعي يعكس ثقتهم في قدرته على أن يكون أحد أبرز اللاعبين في الدوري السعودي هذا الموسم، بل إن البعض قارنه بنجوم عالميين لعبوا في نفس المركز، معتبرين أن الهلال امتلك الآن ظهيرًا أيسرًا بمواصفات أوروبية قادرة على رفع سقف الطموحات.
ثيو هيرنانديز يقدم بداية قوية مع الهلال، أرقامها تدل على فاعلية هجومية كبيرة ودقة عالية في الأداء. التحدي الأكبر أمامه سيكون الحفاظ على ذات النسق البدني والفني طوال الموسم، مع تحسين بعض الجوانب الدفاعية، ليصبح أحد أعمدة الفريق في رحلته نحو المنافسة على لقب الدوري السعودي ودوري أبطال آسيا للنخبة. وحتى الآن، يبدو أن الهلال كسب رهان التعاقد مع ظهير أيسر عالمي قادر على صناعة الفارق في كل مباراة.