من الطبيعي أن يحتاج أي مدرب جديد لبعض الوقت من أجل وضع سياسته والتأقلم مع أجواء الفريق، بهدف تحقيق النتائج المنتظرة وإرضاء طموحات الجماهير، وقبل أن يوافق المدرب الجديد على قيادة أي فريق، فإنه يحتاج لفترة إعداد من أجل التعرف على مستوى اللاعبين وخوض بعض المباريات الودية، ثم تحديد احتياجات الفريق من أجل ضمان النجاح.
لكن هذا الأمر لم ينطبق على الإيطالي سيموني إنزاجي، مدرب الهلال السعودي، الذي قرر قبول مهمة تدريب “الزعيم” في واحدة من أصعب فترات النادي، دون أن يختار صفقة واحدة، بالإضافة لعدم خوض أي مباراة ودية قبل المشاركة في مونديال الأندية.
ظهور مفاجئ
البعض توقع ألا يحقق الهلال نجاحًا في المونديال، نظرا للأزمات التي يعاني منها على المستويين الفني والبدني، بالإضافة لفشل الإدارة في جلب أي صفقة، بجانب لصعوبة تطبيق أفكار إنزاجي في وقت قصير.
ومع بداية مشوار الفريق في البطولة، تمكن الزعيم من الرد على جميع المنتقدين بمستوى خرافي، تعادل به مع ريال مدريد وسالزبورج، واختتم دور المجموعات بفوز ثمين على باتشوكا المكسيكي (2-0).
وتمكن “زعيم آسيا” من جمع 5 نقاط، احتل بها وصافة المجموعة الثامنة، ليتأهل للدور ثمن النهائي في مواجهة مانشستر سيتي، ويصبح الفريق العربي والآسيوي الوحيد الذي وصل لهذه المرحلة من المسابقة.
Getty Images
رجال إنزاجي أكدوا مرارا وتكرارا أن “الهدف المتفق عليه هو الوصول لأبعد نقطة في البطولة، وليس تخطي دور المجموعات فقط”، وبالفعل نجحوا في إسقاط مان سيتي (4-3) في واحدة من أبرز مفاجآت البطولة، بعد درس مليء بالفنون التكتيكية.
ويعتبر هذا هو الانتصار العربي والآسيوي الأول على فريق أوروبي بتاريخ المونديال، كما أنها هي الهزيمة الأولى لمان سيتي بالمسابقة، ليكتب الهلال اسمه بحروف من ذهب.
لكن الحلم تبخر بالخسارة أمام فلومينينسي البرازيلي (1-2) في الدور ربع النهائي، في مباراة شهدت العديد من الحالات التحكيمية التي أثارت الجدل، والمتمثلة في عدم احتساب ركلتي جزاء للزعيم.
هوية جديدة
ظهر الهلال بهوية جديدة تحت قيادة إنزاجي الذي استطاع تطبيق أسلوبه في فترة زمنية قليلة، عبر الدفاع ككتلة واحدة واللعب على أخطاء المنافس ثم الخروج بهجمات مرتدة قاتلة.
وأشاد إنزاجي بعقلية نجوم الهلال قائلا: “أنا فخور بتدريب هؤلاء اللاعبين، فقد أظهروا عقلية رائعة، بسبب رغبتهم في التعلم وتطبيق أسلوبي في فترة بسيطة”.
Getty Images
فضلا عن ذلك، فقد استطاع إنزاجي أن يحسّن العمل الدفاعي، بعد فترة صعبة عاشها الهلال مع مدربه البرتغالي جورجي جيسوس، بسبب الأخطاء القاتلة التي نتج عنها استقبال عدة أهداف سهلة.
وفي الوقت ذاته، لم يتأثر العمل الهجومي، حيث بات الهلال صاحب أكبر عدد من الأهداف أمام فريق أوروبي خلال مباراة واحدة (بالتساوي مع الأهلي المصري)، وذلك بعدما هز شباك مان سيتي برباعية.
وظهر إنزاجي بهذه الصورة الرائعة، رغم الغيابات العديدة التي ضربت فريقه، والمتمثلة في الصربي ألكسندر ميتروفيتش إضافة إلى حسان تمبكتي وسالم الدوسري في ختام دور المجموعات، وعدم لحاقهما بمواجهتي السيتي وفلومينينسي.
مكاسب عديدة
بعيدا عن اكتساب هوية جديدة، فإن “الزعيم” جنى عدة مكاسب فنية، يأتي على رأسها إحياء مسيرة عدة أسماء داخل الفريق.
المغربي ياسين بونو، حارس مرمى الهلال، والذي يعد النجم الأبرز في مركزه خلال هذه البطولة، بفضل تصدياته الخيالية، وخاصة أمام مان سيتي بواقع 13 تصدٍ.
تألق بونو جاء بعد موسم صعب محليا وآسيويا، بالإضافة لتعرضه لانتقادات جماهيرية مستمرة، ولكنه استطاع أن يرد على الجميع بمستوى مونديالي مذهل.
ناصر الدوسري، كان أحد أهم مفاجآت البطولة، بفضل الدور البارز الذي قام به في وسط الملعب، حيث قال إنزاجي: “هذا اللاعب كان مفاجأة بالنسبة لي، فهو يقوم بعمل رائع ويتطور فنيا وبدنيا ويساعدنا كثيرا”.
وجاء هذا المستوى، بعد التقارير التي أشارت لإمكانية رحيله في الميركاتو الصيفي، ولكنه أصبح ركيزة لا يمكن المساس بها في خطط إنزاجي.
Getty Images
كذلك نجح حسان تمبكتي في تثبيت أقدامه كقلب دفاع آخر بجانب السنغالي كاليدو كوليبالي، حيث حصل على إشادة إنزاجي في مناسبات عدة.
ونجح البرازيلي رينان لودي في إقناع إنزاجي بقدراته، سواء كظهير أيسر أو في قلب الدفاع بعد التقارير التي ربطته بالرحيل.
وبعيدا عن الخط الخلفي ووسط الملعب، فقد أصبح الهلال يمتلك أحد أفضل المهاجمين الشباب، وهو البرازيلي ماركوس ليوناردو الذي يتصدر ترتيب هدافي المونديال، بواقع 4 أهداف من ضمنها ثنائية ضد مان سيتي.
مستوى ليوناردو المذهل سيساهم بنسبة كبيرة في رحيل ميتروفيتش، حيث أصبح لا داعي لوجود المهاجم الصربي، وقد يتجه النادي للتعاقد مع مهاجم آخر بجوار النجم البرازيلي الشاب بالفترة المقبلة.
ولا يجب إغفال الدور البارز الذي لعبه الظهيران حمد اليامي ومتعب الحربي، وهو ما سيمنح الهلال قوة إضافية بالموسم الجديد.
طرد محتمل
من بين الأمور التي وضحت أمام إنزاجي في البطولة، ظهور بعض اللاعبين بمستوى سيء، قد يتسبب في رحيلهم بالصيف الجاري.
ويتصدر البرازيلي مالكوم دي أوليفيرا هذه الأسماء، بسبب مردوده الفني والبدني المتراجع، بالإضافة لأزماته المستمرة مع الجماهير، واعتراضه على الخروج من مباراة مان سيتي.
فضلا عن البرازيلي الآخر كايو سيزار، حيث لم يقدم الإضافة الفنية المنتظرة منه بعد إصابة سالم الدوسري، سواء في القيام بالأدوار الدفاعية أو مساعدة الخط الأمامي على تشكيل الخطر، وهو نفس الحال بالنسبة لمحمد القحطاني.
Getty Images
ومن المتوقع أن يغادر علي البليهي أسوار الهلال في الميركاتو الصيفي، بعد تأكد خروجه من حسابات إنزاجي، بعدم الاعتماد عليه في جميع مباريات دور المجموعات، ثم الدفع به لدقائق معدودة ضد السيتي وفلومينينسي، نظرا لعدم جاهزية البدائل الأخرى.
وشهدت مواجهة فلومينينسي، ظهور البليهي بصورة متواضعة، حيث كاد يتسبب في هدف محقق، لولا تدخل كوليبالي في اللحظة الأخيرة.
ومن المتوقع أيضًا خروج الثنائي عبدالله الحمدان وعبدالإله المالكي، بعد فشلهما في إقناع المدرب الإيطالي، حتى وإن عانى الأول من الإصابة قبل مواجهة مان سيتي.
مرحلة البناء
من المؤكد أن الإنجاز المونديالي سيكون بمثابة حجر الأساس الذي سيبني عليه إنزاجي خطط الموسم الجديد، عبر تحديد احتياجات الفريق ومعالجة بعض الأمور داخل الملعب.
في المقام الأول، سيحتاج المدرب الإيطالي مهاجم آخر بجانب ليوناردو في ظل إصابات ميتروفيتش، بجانب حسم مصير الظهير الأيسر، سواء باستمرار لودي أو التعاقد مع الفرنسي ثيو هيرنانديز بدلا منه.
كذلك، يحتاج الزعيم إلى جناح أيمن، بسبب هبوط مستوى كايو ومالكوم، بالإضافة إلى لاعب ارتكاز من أجل تقليل الأعباء البدنية على البرتغالي روبن نيفيز، وهو ما يعني التعاقد مع 3 أجانب جدد على الأقل.
هذا بالإضافة لمنح الفرصة إلى بعض العناصر الواعدة التي يأتي على رأسها مصعب الجوير العائد من الإعارة مع الشباب.
والجانب الأهم الذي يجب النظر إليه، هو اتباع عملية التدوير بشكل دائم بين اللاعبين، وعدم تكرار خطيئة جيسوس والمتمثلة في الاعتماد على 14 أو 15 لاعبًا فقط طوال الموسم، ما أدى إلى إرهاق وإصابات.
وبعيدا عن الصفقات، فإن إنزاجي يحتاج لمعالجة أزمة الكرات العرضية والتمريرات البينية التي تخترق عمق الهلال في بعض الأحيان، مع تقليل الأخطاء الفردية التي تسببت في الخسارة أمام فلومينينسي.
ويأتي ذلك قبل التحديات العديدة التي تتنظر المدرب الإيطالي في الموسم الجديد، بداية بالسوبر المحلي ثم إعادة الفريق على قمة الدوري وتحقيق اللقب الآسيوي الغائب، ورد الاعتبار أمام الاتحاد والنصر.