يواصل برشلونة جذب جماهيره رغم الابتعاد عن ملعبه التاريخي، إذ تمكن من خلاله من تحقيق إيرادات بلغت 175 مليون يورو، أي بزيادة قدرها 21 مليون يورو عن المبلغ المقرر في الميزانية.
ووفقا لصحيفة “آس” الإسبانية، يسابق برشلونة الزمن من أجل العودة إلى منزله الحقيقي، ملعب “سبوتيفاي كامب نو”، لأسباب عاطفية واقتصادية في آن واحد.
ولم يُخفِ النادي يوما أن الابتعاد عن معقله الأصلي والتوجه إلى ملعب “لويس كومبانيس” سيؤثر سلبا على ميزانيته بنحو 100 مليون يورو، وربما أكثر من ذلك.
ومع ذلك، فإن الفريق الشاب والحماسي الذي يقوده هانز فليك ساهم في تخفيف وطأة هذا الأثر المالي، خاصة بعد أن نجح الموسم الماضي في حصد ثلاثة ألقاب.
منذ توليه المهمة، ترك فليك بصمته سريعا، وبأداء قوي أسهم في تقليص خسائر الانتقال المؤقت إلى الملعب الأولمبي.
ووفقا لتقديرات الموسم 2024-2025، كان من المتوقع أن يجني برشلونة 154 مليون يورو من عائدات الملعب، لكن الأرقام النهائية أظهرت تحقيق 175 مليون يورو، أي أكثر بـ21 مليونا من التوقعات، وبفارق ليس كبيرا عن الـ229 مليون يورو التي حققها النادي في آخر موسم له على “كامب نو” قبل بدء أعمال التجديد، علما بأن السعة السابقة كانت تبلغ 90 ألف متفرج.
ومع فليك، امتلأ ملعب “لويس كومبانيس” في أغلب المباريات. فقد سجل النادي في الموسم الأول متوسط حضور بلغ 45,962 متفرجا في المباراة الواحدة، بزيادة نسبتها 14% عن الموسم السابق، مع مباراة واحدة فقط حضرها أقل من 40 ألف مشجع (أمام ليجانيس)، في حين شهد موسم 2023-2024 إقامة 12 مباراة دون هذا الرقم، كما حقق النادي متوسط إيرادات بلغ 2.8 مليون يورو عن كل مباراة على أرضه.
إيرادات لا تُذكر
وفي الموسم الحالي، خاض برشلونة عددا محدودا من المباريات على أرضه، منها مباراتان على ملعب “يوهان كرويف” لم تسجلا خسائر مالية لكنها لم تحقق إيرادات تُذكر، بحسب مصادر من داخل النادي.
أما على ملعب “لويس كومبانيس”، فحقق النادي أرقام حضور مميزة، إذ بلغ عدد المتفرجين 50,103 أمام ريال سوسيداد، و50,207 أمام باريس سان جيرمان في دوري الأبطال.
وبناءً على هذه الأرقام، قررت الإدارة البقاء في مونتجويك حتى يصبح بالإمكان استقبال 45 ألف متفرج في “سبوتيفاي كامب نو”، مشيرة إلى أن الفارق المالي ضئيل للغاية، إذ يتقارب الدخل الناتج عن اللعب أمام 50 ألف متفرج في مونتجويك مع ما كان سيحققه النادي بحضور 27 ألفا فقط في المرحلة الأولى من عودة الفريق إلى ملعبه الأصلي.
ولا يزال الموعد الدقيق للعودة إلى “سبوتيفاي كامب نو” غير مؤكد، لكن إدارة النادي تبدي تفاؤلا كبيرا بشأن الإيرادات المنتظرة من بند “الملعب” خلال الموسم الجاري. فقد وضعت ميزانية تقديرية تبلغ 226 مليون يورو، بزيادة 51 مليونا عن إيرادات الموسم الماضي التي بلغت 175 مليون يورو، والتي وُصفت بالفعل بالناجحة.
وقالت مصادر من داخل النادي: “الأشخاص المسؤولون عن إدارة ملعب مونتجويك قاموا بعمل استثنائي”.
إرث كامب نو
يُعتبر ملعب “كامب نو” أحد أبرز المعالم الرياضية في العالم، ليس فقط لكونه الملعب الرسمي لنادي برشلونة، بل لأنه أصبح رمزا كرويا وثقافيا يعكس هوية المدينة الكتالونية.
وقد افتُتح الملعب رسميا في 24 سبتمبر/أيلول 1957 بمباراة ودية جمعت برشلونة مع فريق ليجا وارسو البولندي، وشهد حضورا جماهيريا هائلا آنذاك، ليبدأ مسيرة طويلة ارتبطت بالإنجازات والذكريات الخالدة.
وتعود فكرة إنشاء الملعب إلى خمسينيات القرن الماضي، حين شعر مسؤولو برشلونة أن ملعب “ليس كورتس”، الذي كان يحتضن مباريات الفريق، لم يعد قادرا على استيعاب الأعداد المتزايدة من الجماهير.
وجاء قرار بناء “كامب نو” ليكون مشروعا عملاقا يليق بالنادي الذي كان يتوسع رياضيا وجماهيريا.
وبالفعل، استغرق البناء 3 سنوات بتكلفة ضخمة في ذلك الوقت، بلغت حوالي 288 مليون بيزيتا إسبانية.
منذ افتتاحه، احتضن الملعب العديد من المناسبات الكبرى، أبرزها نهائي دوري أبطال أوروبا عام 1999 بين مانشستر يونايتد وبايرن ميونخ، الذي اعتُبر من أكثر النهائيات إثارة في التاريخ بعد ريمونتادا الشياطين الحمر في اللحظات الأخيرة.
وقبل ذلك، كان كامب نو مسرحا لمباريات كأس العالم 1982 في إسبانيا، بالإضافة لاستضافته لمنافسات كرة القدم في أولمبياد برشلونة 1992.
وعلى صعيد برشلونة، ارتبط “كامب نو” بمسيرة أسطورية لعدد من أعظم لاعبي كرة القدم، مثل يوهان كرويف، ودييجو مارادونا، ورونالدينيو، وليونيل ميسي، الذين خطفوا الأضواء على أرضيته عبر عقود مختلفة.
وقد أصبح الملعب شاهدا على الإنجازات المحلية والأوروبية للنادي، خصوصًا في حقبة المدرب بيب جوارديولا، حين قاد الفريق لتحقيق ثلاثية تاريخية عام 2009.
ويُعرف “كامب نو” أيضًا بسعته الجماهيرية الهائلة، حيث تجاوزت في بعض الفترات حاجز 120 ألف متفرج قبل أن تُخفض لاحقاً إلى نحو 99 ألفا لأسباب تتعلق بالسلامة.
ورغم ذلك، ظل الأكبر في أوروبا وواحدا من أكثر الملاعب امتلاءً بالجماهير في مختلف المواسم، إذ يُعتبر بالنسبة للمشجعين الكتالونيين مكانا مقدسا يجمع بين الرياضة والانتماء.
وعلى مر العقود، لم يكن “كامب نو” مجرد ملعب لكرة القدم، بل أصبح منصة للتعبير عن الهوية الكتالونية، خصوصا في فترات الحراك الاجتماعي. وكان المدرج الجنوبي للملعب، المعروف باسم “جول سود”، رمزا لتجمع الجماهير المتحمسة، التي لا تكف عن الهتافات والأغاني الداعمة للنادي.
اليوم، مع مشروع إعادة التحديث والتطوير الجاري، يسعى برشلونة إلى تحويل “كامب نو” إلى تحفة معمارية حديثة تواكب متطلبات كرة القدم العصرية، مع زيادة في عدد المقاعد وتطوير المرافق لتقديم تجربة استثنائية للجماهير.