تحوّل التحالف الذي جمع فلورنتينو بيريز، رئيس ريال مدريد، وخوان لابورتا، رئيس برشلونة، إلى صراع مفتوح خلال الأشهر الأخيرة، بعد سنوات من التنسيق الهادئ واللقاءات المشتركة بين الطرفين في ملفات كبرى، أبرزها مشروع السوبرليج.
ومع تراكم الملفات المثيرة للجدل وتصاعد التوتر داخل وخارج الملعب، وصلت العلاقة بين الغريمين إلى مرحلة الانفجار الكامل، لتبدأ حرب سياسية، وإعلامية، ورياضية غير مسبوقة بين القطبين.
ووفقًا لصحيفة “سبورت” الإسبانية، تركت قضية نيجريرا أثرًا واضحًا داخل غرف ملابس ريال مدريد، خصوصًا بعد أن تطرق جود بيلينجهام للموضوع خلال الكلاسيكو الأخير.
وأشارت الصحيفة إلى أن الأمر يعكس خطابًا داخليًا في النادي الملكي، سبق وأن كشفه بيريز بنفسه في الجمعية العمومية الأخيرة، موجّهًا اتهامات حادة للغاية تجاه برشلونة.
وقال بيريز: “ليس أمرًا طبيعيًا أن يدفع برشلونة أكثر من 28 مليون يورو لنائب رئيس لجنة الحكام على مدى 8 أعوام على الأقل. أيًا كان السبب، فهذا ليس طبيعيًا. لقد كان يشغل مهاما أساسية داخل النظام التحكيمي، بما في ذلك إبلاغ الحكام بالترقيات والهبوط. فترة تتزامن، بالمصادفة، مع أكثر حقبات برشلونة نجاحًا في كرة القدم الإسبانية”.
ولا يمكن تجاهل تصريحات لامين يامال، حين شبّه ريال مدريد بفريق “بورسينوس” المشارك في كينجز ليج، مؤكدًا أن التشابه بينهما يكمن في أنهما “يسرقان ويشتكيان”.
ورغم أن العبارة قيلت في سياق ترفيهي وغير رسمي، إلا أنها تركت أثرًا كبيرًا لدى الغريم وأدت إلى تصاعد التوتر على أرضية الملعب.
وفي الوقت ذاته، لم يتجاوز التواصل بين لابورتا وبيريز خلال الفترة الأخيرة، إطار اللقاء الرسمي في مقصورة شرف ملعب البرنابيو.
ويبدو أن ريال مدريد تخلى تمامًا عن فكرة “مساعدة” برشلونة التي روّج لها رئيسه قبل عام فقط، ليتجه نحو خطاب تصادمي، بينما يواصل برشلونة التأكيد على أن عدوه الأول يرتدي اللون الأبيض، لذا يبدو الأمر في أشده بين الطرفين كاملاً الآن.
من الشراكة إلى القطيعة
تدهورت العلاقة بين رئيسي ريال مدريد وبرشلونة خلال الأشهر الأخيرة، خصوصًا بعد سلسلة من المواقف البارزة التي لعبت فيها رابطة الليجا والاتحاد الأوروبي دورًا مهمًا.
وقال بيريز في وقت سابق: “إذا تجنبنا الخلافات، يجب أن يساعد برشلونة ومدريد بعضهما البعض. أقول ذلك بكل صدق. ريال مدريد هو النادي الأول في العالم، وبرشلونة من بين الكبار. الكلاسيكو والتاريخ وكل شيء، يجب أن نفكر بأن برشلونة نادٍ من الأكبر في العالم. لماذا قد نتخاصم؟”.
هذه الكلمات لم تصدر من شخص عادي، بل من رئيس ريال مدريد نفسه خلال الجمعية العمومية الماضية، وقد تعرض حينها لانتقادات لاذعة من قطاع واسع من جماهير النادي الملكي، ممن لم يفهموا سبب عدم استغلال الأزمة الاقتصادية التي يمر بها برشلونة لإحداث ضرر أكبر لغريمه التقليدي.
وكان بيريز، بحسب تقارير إعلامية، قد تدخل حتى في ملف تسجيل داني أولمو، معتمدًا لهجة تصالحية مع برشلونة، لا سيما أن لابورتا كان شريكًا رئيسيًا له في المشروع الأضخم الذي يقوده بيريز (دوري السوبر الأوروبي).
لكن بعد عام واحد فقط، تبنى بيريز موقفًا معاكسًا تمامًا، مهاجمًا برشلونة في كل الملفات: مباراة ميامي، موقف النادي الكتالوني مع رابطة الأندية الأوروبية، وإدارة خافيير تيباس، قضية نيجريرا وحتى ملفات التسجيل، ولم يترك محورًا واحدًا دون استغلال لإيذاء برشلونة، وهو موقف حاد له دوافع واضحة.
شعور بالخيانة
ما حدث خلال الأشهر الماضية أحدث انقلابًا كاملًا في العلاقة بين الرئيسين.
ففي مدريد تسود قناعة بأن النادي الأبيض قدّم “دعمًا” لبرشلونة في عدة قضايا، لكن الأخير “خان” هذا الدعم.
وفي إطار صراعه مع هيئات كرة القدم، كان هدف فلورنتينو الأساسي سحب النفوذ من رابطة الليجا برئاسة تيباس ومن الاتحاد الأوروبي بقيادة تشيفرين، وهما العدوان الرئيسيان بالنسبة له.
لكن شيئًا تغيّر، وبدأ ذلك مع التقارب الواضح بين برشلونة والاتحاد الأوروبي ورابطة الأندية الأوروبية، حيث لم تمر صور لابورتا إلى جانب ناصر الخليفي، ثم لقائهما في مؤتمر روما مرور الكرام بالنسبة لإدارة ريال مدريد، وكان ذلك بمثابة إعلان انسحاب برشلونة بشكل مباشر أو غير مباشر من مشروع السوبرليج.
وقال لابورتا حينها: “نسعى لتهدئة كرة القدم الأوروبية، نريد اتفاقًا يسمح لنا بالعودة إلى اليويفا. برشلونة يسير في هذا الاتجاه، ودورنا كان بناء الجسور؛ سواء مع ناصر أو مع تشيفرين”.
كلمات وصلت سريعًا إلى مسامع بيريز.
النموذج الجديد في مدريد
منذ تلك اللحظة، أصبحت لهجة ريال مدريد تجاه برشلونة أكثر حدة، ويعتبر النادي الأبيض أن إلغاء مباراة ميامي (كانت مقررة بين برشلونة وفياريال بالليجا، وستدر دخلا للفريق الكتالوني) كان نجاحًا له، مدركًا أن الفكرة برمتها كانت نتيجة التقارب بين رابطة الليجا وبرشلونة.
وقبل كل ذلك، كان موقف ريال مدريد قد أصبح أكثر عدائية أصلاً، عندما قرر اتخاذ دور رئيسي في قضية نيجريرا، فطلب في نهاية سبتمبر/أيلول إضافة ملف جديد إلى التحقيق القضائي، يتضمن تصريحات لخوان جاسبارت، وتوني فريشا، وألفونس جودال، وألبرت بيرين، مقدمًا إلى محكمة برشلونة.
وهكذا انتقل ريال مدريد من موقف المتفرج إلى دور اللاعب الرئيسي في قضية نيجريرا.
ورغم أن تأثيره في القضية محدود، إلا أن فهم السياق يتطلب الإشارة للاستراتيجية الجديدة التي يتبناها بيريز داخل ريال مدريد عبر تغيير نموذج الميرنجي الاقتصادي والإداري، وهو مشروع ضخم أثار قلق جزء كبير من الجماهير. لذلك، فإن اتخاذ بيريز لموقف صدامي تجاه برشلونة قد يكون وسيلة لتهدئة هذه القاعدة وكسب دعمها في الاستفتاء المرتقب.