تقترب كرة القدم الإسبانية من لحظة غير مسبوقة، بإقامة مواجهة فياريال وبرشلونة في قلب مدينة ميامي بالولايات المتحدة الأمريكية، لتصبح أول مباراة من الدوري الإسباني تُقام خارج حدود إسبانيا.
خطوة مثيرة، وجريئة، وربما صادمة للبعض، لكنها باتت أكثر واقعية من أي وقت مضى بعد أن منح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم “يويفا” موافقته الرسمية، ولو بشكل استثنائي، على خوض مباريات من الدوريات المحلية في أراض أجنبية، وهو ما فتح الباب أمام حلم طالما راود خافيير تيباس رئيس رابطة الليجا وهو (رؤية الليجا تتخطى حدودها الجغرافية).
ففي الساعات الأخيرة، أكدت مصادر مقربة من الاتحاد الأوروبي أن الضوء الأخضر قد تم أخيرًا، في حين كان الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” قد منح موافقته منذ فترة، كما كشفت صحيفة “ماركا” الإسبانية، لتصبح كل الظروف مهيأة لإقامة المباراة المنتظرة يوم 21 ديسمبر/ تشربن الأول المقبل على الأراضي الأمريكية.
وهكذا، يتحول الحديث من فكرة مثيرة للجدل إلى واقع يقترب من التنفيذ، في إطار مشروع تسويقي ورياضي يسعى لجعل الليجا أكثر حضورًا في السوق العالمية، خصوصًا في الولايات المتحدة، التي أصبحت محطة جذابة لأوروبا الكروية.
لكن رغم الأضواء اللامعة التي ترافق هذا المشروع، فإن الغيوم لا تزال تحوم في الأفق، إذ لم تهدأ بعد أصوات الرفض القادمة من داخل غرفة ملابس الأندية الإسبانية.
فالقضية لم تعد تخص الملاعب أو الجماهير فحسب، بل أصبحت أيضًا مسألة مبدأ بالنسبة للاعبين الذين يرون في هذه الخطوة (ابتعادًا عن روح المنافسة المحلية).
في الحادي والعشرين من أغسطس/ آب الماضي، أصدر قادة أندية الدرجة الأولى، بدعم من اتحاد اللاعبين الإسبان (AFE)، بيانًا واضحًا أعلنوا فيه رفضهم لخوض أي مباراة من الليجا خارج البلاد، مؤكدين أن القرار جاء من دون حوار كاف ولا شفافية، وهو ما اعتبروه تجاوزًا لدورهم وشركتهم في منظومة اللعبة.
نقاش مرتقب
اليوم، وبعد التطورات الجديدة، يستعد اتحاد اللاعبين لإعادة فتح النقاش مجددًا، إذ يخطط لعقد اجتماع طارئ مع قادة الفرق الإسبانية خلال الأيام المقبلة، لمعرفة موقفهم بعد المستجدات.
ورغم أن المؤشرات الأولية توحي بأن الموقف لم يتغير كثيرًا، فإن المعضلة الكبرى تكمن في السؤال الذي بدأ يتردد بقوة داخل الأوساط الكروية: هل سيجرؤ القادة على الرفض مرة أخرى إذا أصبح القرار رسميًا؟ وهل يمكن أن تصل الأمور إلى حد مقاطعة المباراة؟
الموقف يزداد تعقيدًا لأن الرابطة، من جانبها، تلتزم الصمت وتكتفي بالمراقبة.
لا تصريحات من تيباس، ولا بيانات توضيحية، وكأنها تترك الزمن يقوم بدوره حتى يتقبل الجميع الفكرة تدريجيًا.
خلف الكواليس، يدرك مسؤولو الليجا أن هذه الخطوة تمثل اختبارًا لقدرة البطولة على التحول إلى منتج عالمي بكل معنى الكلمة، وأن إقامة مباراة في ميامي قد تكون المفتاح الذي يفتح الأبواب نحو أسواق جديدة، وإيرادات ضخمة، وجماهير جديدة تتابع برشلونة، وفياريال، وأندية الليجا كلها من زاوية مختلفة.
أما بالنسبة للفيفا واليويفا، فإن موافقتهما تُعد بمثابة كسر لحاجز طالما ظل قائمًا أمام الدوريات المحلية.
فلطالما رفض الاتحادان إقامة مباريات رسمية خارج الأراضي الوطنية حفاظًا على هوية البطولات، لكن تغير موازين السوق الكروية العالمية وضغط حقوق البث والمستثمرين جعل المؤسسات الكروية تفتح الباب، ولو قليلاً، أمام هذه التجربة الاستثنائية.
وفي المقابل، ترى الاتحادات المحلية أن هذا النوع من المبادرات يحمل مخاطر واضحة، أبرزها المساس بعدالة المنافسة، إذ تلعب بعض الأندية مباريات خارج ملعبها وبين جماهير غريبة عنها.
في ميامي، بدأت التحضيرات بالفعل، فالمدينة الأمريكية التي احتضنت في السنوات الأخيرة مباريات ودية لكبار أوروبا وقبل أشهر قليلة بطولة كأس العالم للأندية، تستعد اليوم لاستضافة مواجهة رسمية، بمواصفات مختلفة تمامًا.
الجماهير اللاتينية في فلوريدا تنتظر الحدث بشغف، وشركات التسويق تتهيأ لحدث استثنائي يجمع بين الرياضة والعرض التجاري الكبير.
أما في إسبانيا، فالنقاش يحتدم بين مؤيدين يرون في الخطوة انطلاقة لعصر جديد من الانتشار الكروي، ومعارضين يعتبرونها بداية لفقدان الهوية.
بين هذا وذاك، يظل الصمت سيد الموقف في مكاتب رابطة الليجا، بينما تتجه الأنظار نحو القادة الذين يحملون في أيديهم القرار الأصعب.
فإما أن يسيروا مع التيار في تجربة جديدة قد تغير شكل البطولة، أو يتمسكوا بمواقفهم ويضعوا حدًا لمشروع لطالما حلمت به الرابطة. لكن المؤكد أن كرة القدم الإسبانية تقف اليوم أمام مفترق طرق حقيقي، بين من يريد أن يفتح الأبواب للعالم، ومن يخشى أن يفقد نفسه في الطريق إليه.