هناك بعض اللحظات في كرة القدم التي تشبه الوقوف على الحافة؛ خطوة واحدة خاطئة قد تُسقط مشروعًا بأكمله، وهو ما تخشاه جماهير نادي الهلال السعودي خلال الفترة المُقبلة.
صحيح أن الهلال يسير بخطى ثابتة على مستوى النتائج مع مدربه الإيطالي الجديد سيموني إنزاجي، وآخرها الانتصار على الدحيل القطري (2-1) في مستهل المشوار الآسيوي، ولكن يبدو أن الانتصارات ليست كافية للاستمرار في المنافسة بالفترة المُقبلة.
الهلال في الوقت الحالي يسير نحو مشروع جديد مُحمل بالطموحات والآمال على عاتق المدرب الإيطالي، الذي قرر تغيير الهوية، ولكنه وجد بعض الصعوبات المُبكرة، بعيدًا عن تحقيق النتائج الإيجابية.
ومن المقرر أن يبدأ الهلال طريقه نحو التحديات الصعبة، بمواجهة أهلي جدة، غدًا الجمعة، في قمة الجولة الثالثة من دوري روشن للمحترفين.
أزمات البداية
بعيدًا عن تحقيق الفوز في مباراتين من 3 مباريات خاضها الهلال هذا الموسم حتى الآن، فإن الميركاتو الأخير فتح العديد من التساؤلات الجماهيرية والإعلامية، خاصة بعد ظهور “الزعيم” بمستوى فني مُبهم، حيث لم يتأقلم الفريق حتى هذه اللحظة مع طريقة إنزاجي.
الأزمة الأولى تتمثل في الاستغناء عن الصربي ألكسندر ميتروفيتش، الهداف الذي ترك بصمة واضحة في خط الهجوم، فالقرار لم يمر مرور الكرام على الجماهير التي اعتبرته خطوة غير محسوبة.
ورغم أن النادي أعلن استمرار معاناته من الإصابة، إلا أن اللاعب انضم للريان القطري، وسرعان ما شارك، بل وسجل هدفًا صاروخيًا، فتح باب الجدل.
Getty Images
وما تسبب في غضب الجماهير، تعاقد النادي مع المهاجم الأوروجواياني داروين نونيز، حيث لم يلق ترحيبًا كبيرًا، بسبب تاريخه المعروف بإهدار الفرص السهلة مع ليفربول.
الأزمات لم تتوقف عند هذا الحد، بل ظهر التعثر المحلي أمام القادسية، ليزيد الطين بلة، حيث اعتبرته الجماهير جرس إنذار حقيقي، ينبه أن مشروع إنزاجي لم يدخل بعد في مسار الأمان.
كما أضيفت أزمة البرازيلي رينان لودي الأخيرة إلى قائمة المشاكل، بعد فسخ عقده من طرف واحد، لتؤكد أن الهلال يعيش حالة من الاضطراب الفني والإداري، قد تُلقي بظلالها على المشروع بأكمله إذا لم يتم التعامل معها بحكمة.
انتقادات لا تعرف الهدوء
لم تكن ردود الأفعال الجماهيرية والإعلامية بعيدة عما يحدث، بل على العكس، كانت أصوات الانتقاد مرتفعة إلى درجة أنها هزت أركان النادي.
الطريقة التي يعتمدها إنزاجي أثارت جدلاً واسعًا بين النقاد والمحللين، خاصة وأن المدرب الإيطالي يعتمد على أسلوب مختلف تمامًا عن هوية الفريق، عبر طريقة دفاعية.
فضلاً عن منح البرتغالي روبن نيفيز، دورًا جديدًا باللعب كمحور ارتكاز، يتحول إلى مدافع ثالث في بعض الأحيان، وهو ما تسبب في تراجع أداء وسط الملعب أمام القادسية على وجه التحيد.
Getty Images
إضافة إلى ذلك، فإن المقارنات المستمرة بين نونيز وميتروفيتش غذّت هذا الجدل، فعلى الرغم من نجاح المهاجم الأوروجواياني في تسجيل هدفين حتى الآن، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا لإقناع القطاع الأكبر من الجماهير.
وخرج سامي الجابر، أسطورة الهلال، بتصريحات قوية قبل أيام قليلة، أكد خلالها أن “نونيز لا يتناسب مع مشروع الهلال، وكان يجب التعاقد مع مهاجم آخر، مشيرًا إلى أن طريقة إنزاجي لا تتناسب حاليًا مع هوية الفريق، وتحتاج لبعض الأدوات.
وسار ياسر القحطاني، مهاجم الهلال السابق، على نهج الجابر، فيما يتعلق بأسلوب إنزاجي، حيث يرى أن وجود نيفيز أمر مفروغ منه في وسط الملعب، ولا يمكن الاعتماد عليه كقلب دفاع.
وما تسبب في ارتفاع حالة القلق، المستوى السيء الذي قدمه البرازيلي ماركوس ليوناردو خلال قمة الدحيل في البطولة الآسيوية، حيث بدا وكأنه لاعب يفتقد لأساسيات كرة القدم.
اختبار الهوية
وسط هذه العاصفة، يجد إنزاجي نفسه على موعد مع اختبار من العيار الثقيل أمام الأهلي، فالمواجهة ليست مجرد مباراة عادية، بل تحمل في طياتها الكثير من الحسابات المعلقة بين الفريقين والمدربين.
الأهلي بقيادة يايسله نجح في التفوق على الهلال في آخر مناسبتين، إحداهما في نصف نهائي دوري أبطال آسيا، قبل أن يظفر باللقب الكبير، وذلك الأمر يكفي لزيادة حساسية المواجهة المقبلة.
الهلال يعلم أن أي سقوط جديد أمام الأهلي سيُحوّل الأمر من مجرد تعثر إلى “عقدة”، وهو ما سيضاعف حجم الضغوطات على إنزاجي وجهازه الفني، خاصة وأن الجماهير لن تقبل بتكرار الهزيمة تحت أي ظرف.
في المقابل، يرى يايسله أن المواجهة فرصة جديدة لترسيخ تفوقه على الهلال، وربما لتعميق جراح إنزاجي، في وقت يتطلع فيه الأهلي إلى تأكيد مكانته كغريم حقيقي للزعيم.
نقطة من أول السطر
الخسارة أمام الأهلي، إذا حدثت، لن تكون مجرد فقدان ثلاث نقاط، بل ستفتح أبوابًا كثيرة من التساؤلات حول جدوى مشروع إنزاجي برمته.
والمثير في الأمر أن إنزاجي سيواجه يايسله الذي كان سببًا مباشرًا في رحيل المدرب البرتغالي جورجي جيسوس بالموسم الماضي، وإذا كرر سيناريو الفوز، فإن الإدارة ستجد نفسها أمام مأزق صعب.
الحديث عن رحيل المدرب الإيطالي في هذا التوقيت قد يبدو سابقًا لأوانه، لكنه سيظل مطروحًا بقوة في الإعلام وبين الجماهير إذا جاءت نتيجة الكلاسيكو سلبية، فهذا الاحتمال بحد ذاته يكفي لخلق حالة من التوتر.
Getty Images
ويأتي ذلك رغم الإنجازات التاريخية التي حققها الهلال في المونديال الأخير، لكن الأندية الكبرى لا تعيش على أمجاد الماضي، بل تبحث دائمًا عن استمرار النجاح.
وبالتالي، فإن ذلك الكلاسيكو سيكون بمثابة نقطة من أول السطر لتحديد الطريق الذي سيسلكه الفريق، إما الحصول على دفعة قوية لاستمرار المشروع، أو السقوط في فخ الأهلي وبداية لنيران ستحرق الجميع.