بعد صمت دام لنحو عامين منذ وصوله إلى ريال مدريد، خرج النجم التركي الشاب أردا جولر، ليعبر للمرة الأولى عن مشاعره أمام الإعلام الإسباني.
فبعد أن تحدث فقط يوم تقديمه في البرنابيو، ظهر جولر أمام الميكروفونات بابتسامة، عكست سعادته بالحاضر، مؤكدًا أن “هناك الكثير من أردا لم يشاهده الجمهور بعد” وأنه اليوم يشعر بسعادة أكبر بعدما وجد نفسه مجددًا داخل المستطيل الأخضر.
ورغم أن موهبة اللاعب التركي، لم تكن محل شك منذ انضمامه للميرنجي، إلا أن بدايته في العاصمة الإسبانية لم تكن سهلة.
الإصابات المتكررة، غياب الدقائق الكافية، ونظام اللعب، الذي لم يفسح له المجال للتعبير عن قدراته، فقد اكتفى جولر بمشاهدة مباريات فريقه من على دكة البدلاء، وهو يحمل في عينيه، الرغبة في اللعب، لكن أيضًا مشاعر الإحباط.
وعود أنشيلوتي لم تتحقق
مع بداية موسمه الثاني داخل الملكي، بدا وكأن الأمور قد تتغير بشأن اللاعب أردا جولر.
وقال المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي وقتها “لقد وصل بحالة رائعة، عمل بجد في فترة الإجازة، أصبح أقوى وأكثر جاهزية. ستكون له هذا الموسم أدوار أكبر بكثير من السابق”.
Getty Images
ورغم ذلك، لم يحصل جولر على ثقة المدرب، وبقيت وعود أنشيلوتي في خانة الكلمات، فيما ظل اللاعب الشاب في “نقطة الصفر” دون أن يتحقق التغيير المنشود.
ومع أن جولر قدم عروضًا قوية مع منتخب بلاده في يورو 2024، وأثبت أنّه قادر على تحمل المسؤولية، فإن معاناته في ريال مدريد لم تنته.
بدا وكأن موهبته الاستثنائية تضيع وسط ضجيج المنافسة وضغوط “الفوز الفوري” الذي يميز النادي الملكي.
التحول مع تشابي ألونسو
لكن القدر كان يخبئ لجولر، فرصة ذهبية، حيث أن وصول تشابي ألونسو إلى الجهاز الفني غير كل شيء.
المدرب الإسباني الشاب، الذي يعرف جيدًا كيف يقرأ كرة القدم بعين مختلفة، أدرك أن الموهبة وحدها لا تكفي، وأن اللاعب يحتاج إلى ثقة، وقت، ومساحة ليعبر عن نفسه.
ألونسو لم يتردد في المراهنة على جولر، وحوله من مجرد “صانع ألعاب حر” إلى لاعب وسط متكامل، قادر على الربط بين الخطوط، قيادة الإيقاع، وتنفيذ الواجبات الدفاعية إلى جانب لمسته الفنية المميزة.
ومنح له خريطة جديدة ليعيد اكتشاف نفسه، من فنان يبحث عن الحرية، إلى مهندس يضبط إيقاع اللعب ويوازن بين الإبداع والانضباط.
Getty Images
شخصية متعطشة للتعلم
مما ساعد اللاعب على هذا التحول، ليست قرارات ألونسو فقط، بل أيضًا شخصية جولر نفسه.
فقد أكد النجم الألماني المعتزل توني كروس، قبل سنوات، أن اللاعب التركي “من أولئك الذين يسألون باستمرار: كيف تفعل ذلك؟”، مشيرًا إلى أن تعطشه للتعلم، يجعله مختلفًا عن بقية اللاعبين الشباب الذين يظنون أنهم يعرفون كل شيء.
فهذه الرغبة الدائمة في التعلم والتطور، جعلته يتقبل أدواره الجديدة بسرعة، ويتحول إلى قطعة أساسية في مشروع المدرب ألونسو.
أرقام تؤكد النقلة النوعية
النتائج لم تتأخر في الظهور، فبعد 15 مباراة لعبها تحت قيادة ألونسو، منها 13 أساسيًا، سجل أردا جولر 4 أهداف وصنع 6 تمريرات حاسمة، كما خلق 31 فرصة محققة، بينها 8 فرص كبيرة لزملائه.
هذه أرقام تؤكد أن اللاعب البالغ من العمر 20 عامًا، لم يعد مجرد موهبة واعدة، بل أصبح ركيزة مؤثرة في الأداء الجماعي للريال.
شهادة ألونسو
ألونسو نفسه اعترف بتأثير لاعبه قائلًا “يمتلك الكثير من الصفات، إنه لاعب مميز. تمريراته تمنحنا تنوعًا أكبر، والفريق يلعب بشكل أفضل بوجوده”.
وشدد “لكن جولر يحتاج أيضًا إلى المزيد من التطور وتعلم تفاصيل إضافية”، في إشارة إلى أن الطريق لا يزال طويلًا أمام النجم التركي، لكن البداية جاءت مبشرة للغاية.
Getty Images
صناعة الفارق
التحول الذي يعيشه جولر، يلخص رحلته القصيرة والمليئة بالتحديات، من لاعب مقيّد بالوعود مع أنشيلوتي، إلى ركيزة فنية يثق بها ألونسو، من نجم صامت ينتظر فرصته، إلى لاعب يصنع الفارق بالأرقام والأداء.
وبينما يواصل اللاعب، رحلته مع ريال مدريد، يبدو أن جمهور الملكي بدأ أخيرًا يكتشف “الوجه الحقيقي لأردا”، الوجه الذي انتظر كثيرًا كي يظهر، والذي قد يجعل منه أحد أبرز صناع الألعاب في أوروبا خلال السنوات المقبلة.
أرقام جولر مع ريال مدريد هذا الموسم، تؤكد موهبته الاستثنائية، حيث خاض 15 مباراة في مختلف البطولات.
وفي الدوري الإسباني لعب 7 مباريات سجل خلالها 3 أهداف وصنع مثلهم، ليترك بصمته في دقائق لم تتجاوز 502 دقيقة.
أما في دوري أبطال أوروبا، فقد شارك في مباراتين، ونجح في صناعة هدف واحد، خلال 153 دقيقة.
وعلى صعيد كأس العالم للأندية 2025، خاض جولر 6 مباريات، أحرز خلالها هدفًا وصنع هدفين، مقدّمًا أداءً لافتًا في 422 دقيقة لعب.
وإجمالًا، تمكن جولر من تسجيل 4 أهداف وصناعة 6 خلال 1077 دقيقة فقط، أي بمعدل مساهمة تهديفية كل 107 دقائق تقريبًا، وهو معدل مميز بالنسبة للاعب شاب، لا زال في مرحلة إثبات نفسه.
هذه الأرقام تظهر أن جولر ليس مجرد موهبة واعدة، بل عنصر قادر على صناعة الفارق متى حصل على الفرصة الكاملة مع الفريق الملكي.