كثيرًا ما تنافس ريال مدريد وبرشلونة على جلب أفضل اللاعبين في العالم، سواء قديمًا أو العصر الحديث، ولعل ألفريدو دي ستيفانو ونيمار دا سيلفا وديفيد بيكهام، أحد أشهر الصراعات بين القطبين.
ولكن واحدة من أبرز القصص التي لم يتم تناولها إعلاميًا بالقدر الكافي، تتعلق بأسطورة أياكس وبرشلونة يوهان كرويف، والذي كان قريبًا جدًا من ريال مدريد قبل أن تتغير وجهته إلى كتالونيا ليصبح واحدًا من أساطير البرسا.
قصة انتقال كرويف إلى برشلونة ورفض ريال مدريد لها عدة أوجه، البعض يقول إن اللاعب هو من رفض الانتقال للميرنجي، وأصر على ارتداء قميص البلوجرانا،وآخرين يقولون إن الأمر كان يتعلق فقط بالنواحي الاقتصادية.
بداية القصة
القصة بدأت عام 1970 بعد أن فشلت إسبانيا في التأهل إلى كأس العالم 1962 وقرر الاتحاد الإسباني وقف باب التعاقد مع صفقات أجنبية، وخلال هذه الفترة كان الجميع يحاول التحايل على القانون بتجنيس اللاعبين أو حتى تزوير الأوراق، ليأتي عام 1973 ويقرر الاتحاد إعادة الأمور لما كانت عليه.
فيك بكنجهام، مدرب برشلونة في هذا التوقيت، نصح إدارة الفريق بضرورة التعاقد مع صاحب الـ 23 عامًا كرويف من أياكس أمستردام.
ولكن الإدارة وقتها لم تمتثل لطلبه، ليستمر اللاعب مع أياكس ويحقق دوري أبطال أوروبا أعوام 1971 و1972 و1973 ويصبح الجوهرة المنتظرة في أوروبا ويبدأ سانتياجو برنابيو، رئيس ريال مدريد آنذاك، بالتخطيط للتعاقد معه.
ولكن الأمر بدا معقدًا، فالرئيس الأعظم في تاريخ الريال نجح في خطف أسماء كبيرة وحرم برشلونة من ضمها، ولكن قصة كرويف كانت مختلفة لأن حقوق اللاعب في يد أياكس فقط والفريق الهولندي يرفض التخلي عن اللاعب.
ولكن وبحسب صحيفة “ليكيب” الفرنسية، فإن ريال مدريد عرض 30 مليون بيزيتا إسبانية، ولكن برشلونة قرر دفع 50 مليونًا وراتب يصل إلى 5 ملايين في الموسم الواحد.
وكلفت الصفقة وقتها خزينة برشلونة حوالي 90 مليون بيزيتا، ليصبح كرويف الأغلى في العالم.
بعدها توجهت الانتقادات نحو سانتياجو برنابيو، فكيف يكون المال سبب إخفاق ريال مدريد في جلب صفقة.
بعدها ترددت أقاويل كثيرة، بين رفض سانتياجو برنابيو دفع هذا المبلغ ورأيه أن كرويف لا يستحق هذا الرقم، وبين أن إدارة أياكس فضلت التعامل مع برشلونة عن ريال مدريد وسهلت لهم الأمر، وربما كان القرار فعليًا من عقل كرويف.
ولكن هناك سبب آخر لم يحظ بالقدر الكافي من الثقة، ألا وهو مشروع بناء ملعب “سانتياجو برنابيو” والذي افتتح في 1975، فربما يكون العائق في عملية جلب اللاعب.
وفي فبراير 1974 ظهر كرويف بقميص برشلونة في الكلاسيكو وقاد البلوجرانا لتحطيم ريال مدريد بخماسية نظيفة في موسم عودة الدوري لكامب نو بعد 14 عامًا، ليؤكد لريال مدريد أن الاستثمار فيه كان أهم شيء قام به البلوجرانا عبر تاريخه الطويل.
واقعة تاريخية في هذه المباراة
في إحدى اللقطات خلال تلك المباراة الشهيرة، استلم كرويف الكرة خارج منطقة الجزاء، وراوغ بحركة فنية مذهلة، ثم أرسل كرة ساقطة تجاوزت الحارس تمامًا، متجهة نحو المرمى الفارغ.
بدا كل شيء مثاليًا، والجماهير بدأت بالاحتفال قبل أن تعانق الكرة الشباك، لكن فجأة، تدخلت الطبيعة.
هبت رياح قوية أعادت الكرة في الهواء بشكل لا يُصدق، لتسقط خارج المرمى وسط دهشة الجميع.
كان الهدف جاهزًا ليُسجل ضمن أجمل لحظات الكلاسيكو، لولا تلك النسمة “الخائنة” التي غيرت مصير اللقطة.
كرويف كاد أن يكون لاعبًا في ريال مدريد، لكنه انضم لبرشلونة وأصبح أحد أهم أساطير النادي.
كرويف المدرب: ولادة “التيكي تاكا”
بعد اعتزاله كرة القدم، عاد كرويف إلى برشلونة سنة 1988 مدربًا، ليبدأ ثورة كروية غيرت هوية النادي إلى الأبد، تحت قيادته، لم يعد الكلاسيكو مجرد مباراة تنافسية، بل أصبح “صراع فلسفات” بين كرة ممتعة هجومية تعتمد على الاستحواذ والتمرير، وبين أسلوب أكثر واقعية لدى ريال مدريد.
قاد كرويف “فريق الأحلام” الذي فاز بأربع بطولات دوري متتالية (1991–1994)، وحقق أول لقب في دوري أبطال أوروبا في تاريخ النادي عام 1992.
وفي الكلاسيكو، كان فريقه يهيمن بالأسلوب قبل النتيجة، مقدّمًا عروضًا فنية جعلت العالم يشاهد برشلونة بطريقة جديدة.
كرويف والإرث الأبدي في الكلاسيكو
لم يكن تأثير كرويف لحظيًا، بل مستمرًا حتى اليوم، فأسلوب بيب جوارديولا وتشافي هيرنانديز ولويس إنريكي جميعهم امتداد لفلسفة كرويف التي زرعت جذورها في “كامب نو”.
يوهان كرويف لم يكن مجرد نجم أو مدرب عظيم في تاريخ الكلاسيكو؛ بل كان رمزًا للتحول، فقد حول برشلونة من نادٍ يبحث عن هوية إلى مدرسة في كرة القدم، وجعل من الكلاسيكو معركة بين الإبداع والانضباط، بين الفن والفوز.
وربما لم تسجل الرياح هدفه المفقود في أحد الكلاسيكيات، لكنها لم تمنع روحه من أن تهبّ في كل تمريرة وهدف يسجله برشلونة حتى اليوم.