بين صخب الهتافات وضجيج الزمن، يقف الأسطورة البرتغالي كريستيانو رونالدو على مفترق طرق لا يشبه أي طريق سابق في مسيرته.
الأسطورة الذي تحدى الجسد والعمر والحدود، يجد نفسه الآن في مواجهة صراعٍ لم يعتده؛ صراع داخل جدران بيته، حيث تأتي الأصوات الأقرب إلى قلبه مطالبةً إياه بالتوقف، بينما ينبض داخله بنداء آخر لا يعرف إلا الاستمرار.
ورغم وصول “صاروخ ماديرا” إلى 40 عامًا، إلا أنه لا يعرف الاستسلام كما جرت العادة طوال مسيرته، حيث يتطلع لكتابة فصول جديدة في مسيرته الذهبية.
الوقوف أمام الانتقادات
رونالدو، رغم مكانته التاريخية، لم يسلم من سهام النقد التي تطارده بين الحين والآخر، فمع تقدمه في العمر، ارتفعت أصوات إعلامية وجماهيرية تطالبه بالاعتزال، معتبرة أن لحظة التراجع قد حانت وأن الاستمرار قد يضر بمسيرته الذهبية.
في عدة مناسبات، ظهر الجدل بشكل علني؛ سواء عند تراجع أرقامه في بعض المباريات الكبرى أو لحظات غضبه داخل الملعب، لتتصاعد الدعوات التي ترى أن إرثه بات مكتملًا وأن كل دقيقة إضافية تحمل خطر تشويه الصورة.
لكن، وكما اعتاد، كان رد “الدون” حاضرًا على أرضية الميدان، بالأهداف والأداء والشغف الذي لا ينتهي سواء مع الأندية أو المنتخب البرتغالي.
جائزة جديدة
حاز النجم البرتغالي على جائزة جديدة، أمس الثلاثاء، وهي “جلوب برستيج” على هامش مشاركته مع منتخب بلاده في العطلة الدولية الحالية.
ويتواجد رونالد مع منتخب البرتغال الذي يستعد لمواجهة أيرلندا والمجر ضمن التصفيات الأوروبية المؤهلة لكأس العالم 2026، يومي السبت والثلاثاء المقبلين.
وتعد جائزة برستيج جلوب إحدى الجوائز المرموقة التي قرر الاتحاد البرتغالي استحداثها من أجل تكريم الرموز في الكرة البرتغالية، وهي المرة الأولى التي يتوج بها “الدون”.
تحدي العائلة
خرج النجم البرتغالي بتصريحات أمام وسائل الإعلام بعد استلام الجائزة، كان أبرزها تحديه مع عائلته، حيث قال: “عائلتي تقول لي إنه حان وقت التوقف عن اللعب”.
وأضاف: “يسألونني دائمًا، لماذا تريد تسجيل 1000 هدف، وأنت بالفعل سجلت 900؟”.
وأكمل: “الأمر بالنسبة ليس هكذا، ولكنني لا زلت قادرًا على تقديم المستويات المميزة سواء مع النادي أو المنتخب، فقلت لهم لماذا أتوقف؟”.
وتابع حديثه: “سأستمر في اللعب لبعض السنوات، لأنني أعمل باستمرار وهذا يظهر في الملعب، وما زلت أشعر أن لدي الكثير لأقدمه، ولا أفكر في الاعتزال حاليًا”.
وشدد النجم البرتغالي: “أنا متأكد من أنني سأغادر وأنا راضٍ عن نفسي بعد اعتزالي، فقد بذلتُ قصارى جهدي”.
وعن الجائزة رد قائلا: “أمتلك العديد من الكؤوس في منزلي، لكن عليّ الاعتراف أن هذه الجائزة تحمل طابعًا مختلفًا ومميزًا للغاية، اليوم جلست على الطاولة أفكر بما يمكن أن أقوله، وسألت نفسي: ما معنى جائزة “بريستيج”؟ هل هي جائزة تُمنح عند اقتراب نهاية المسيرة؟”.
وأتم: “لقد رافقني بعض التوتر في البداية، ثم سرعان ما قلت لنفسي، لا يمكن أن تكون كذلك. فهذه الجائزة تمثل لي فخرًا عظيمًا، ولا أعتبرها ختامًا لمسيرتي، بل امتدادًا طبيعيًا لكل ما حققته طوال السنوات الماضية”.
الرقصة الأخيرة
رونالدو لا يرى في مسيرته محطة للتوقف، بل طريقًا ممتدًا نحو مجد أكبر، فهو لديه بعض القادمة، وأهمها قيادة منتخب البرتغال نحو إنجاز تاريخي طال انتظاره، وهو الفوز بكأس العالم 2026 في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.
ويأتي ذلك الإنجاز من أجل تحقيق حلم بلاده، ومواصلة صراعه مع غريمه الأزلي الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي قاد بلاده لتحقيق مونديال قطر 2022.
كأس العالم هو التحدي الأكبر الذي يطارده رونالدو اليوم، والبطولة التي قد تمثل “الرقصة الأخيرة” في مسيرته الدولية إن تحققت.
Getty Images
وعلى مستوى الأندية، لا يختلف الوضع كثيرًا، فالنجم البرتغالي يسعى لإعادة النصر إلى منصات التتويج الكبرى.
أهدافه واضحة، وتتمثل في الفوز بلقب الدوري السعودي ودفع “العالمي” نحو الهيمنة المحلية، إلى جانب رفع كأس خادم الحرمين الشريفين، ودوري أبطال آسيا 2.
بهذه الطموحات، يجمع رونالدو بين الحلم الدولي مع البرتغال والطموح المحلي والقاري مع النصر، ليبرهن أن شغفه لا يزال مشتعلاً، وأنه لا يزال يطارد المجد حتى اللحظة الأخيرة.
ماذا قدم رونالدو في مسيرته؟
يعتبر رونالدو أحد أبرز اللاعبين في تاريخ كرة القدم، نظرًا للإنجازات الجماعية والفردية التي حققها، حيث سبق وأن حصد جائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم 5 مرات سابقة.
إضافة إلى أنه أكثر لاعب تسجيلاً للأهداف مع الأندية والمنتخب، بواقع 946 هدفًا، وهو الهداف التاريخي لمنتخب بلاده (141).
ويعد الدون هو الهداف التاريخي لريال مدريد بتسجيل 450 هدفًا، بعدما حصد معه عدة ألقاب لا تنسى يأتي على رأسها دوري أبطال أوروبا 4 مرات.
كما أنه أول لاعب في تاريخ كرة القدم يسجل 100 هدف أو أكثر في 4 دوريات مختلفة (الإنجليزي، الإسباني، الإيطالي، والسعودي).
وإذا تحدثنا باستفاضة عن أرقام رونالدو، فسنجد أنفسنا أمام سجل يكاد لا ينتهي من الأهداف والبطولات الفردية والجماعية، لدرجة أن الحديث عنه يتحول إلى رحلة طويلة في عالم الأرقام القياسية. فكل محطة في مسيرته تحمل إنجازًا جديدًا، وكل موسم يضيف صفحة ذهبية أخرى إلى كتاب المجد.