الدولي البرازيلي ابتعد عن الملاعب أكثر من 400 يوم
كشف النجم البرازيلي ومدافع ريال مدريد، إيدير ميليتاو، عن وصوله إلى مفترق طرقٍ خطير، بعد تعرضه لإصابتين متتاليتين في الرباط الصليبي، مؤكدًا أنه فكّر جديًا في ترك كرة القدم والاعتزال نهائيًا، بعد معاناته المزدوجة التي أبعدته عن الملاعب لأكثر من 400 يوم.
لم يكن هذا مجرد حديث عن ألمٍ جسدي، بل كان اعترافًا صادقًا بمعركةٍ عقليةٍ ونفسيةٍ قاسية، خاضها المحارب البرازيلي في صمتٍ، وسط لحظاتٍ من الشك والخوف والإنهاك الذهني. لم تكن الإصابة مجرد عارضٍ طبي، بل كابوسًا حقيقيًا ضرب ركبتيه واحدةً تلو الأخرى.
بدابة المعاناة
كانت البداية في أغسطس 2023، حين سقط على أرضية ملعب “سان ماميس” في اللقاء الافتتاحي للدوري الإسباني ضد أتلتيك بيلباو، ليُصاب بتمزقٍ كاملٍ في الرباط الصليبي الأمامي لركبته اليسرى.
الإصابة كانت صاعقة، أجبرته على الخضوع لجراحةٍ معقدةٍ وبرنامجٍ تأهيليٍ طويل، أبعده عن الملاعب 214 يومًا. وبعد رحلة علاجٍ شاقةٍ وعودةٍ متفائلة، لم تمضِ سوى أشهرٍ قليلة حتى واجه نكسةً أكثر قسوة، في نوفمبر 2024، خلال مباراة ريال مدريد ضد أوساسونا، حيث أُصيب بقطعٍ كاملٍ في الرباط الصليبي للركبة اليمنى، مع تضررٍ في الغضاريف الهلالية، ما استدعى عمليةً جراحيةً ثانية، وأبعده 224 يومًا إضافية.
بلغ مجموع غيابه عن اللعب 438 يومًا، أي أكثر من عامٍ كامل خارج الملاعب، وهي فترةٌ حوّلته من نجمٍ متألقٍ في قلب دفاع ريال مدريد، إلى إنسانٍ يحارب لاستعادة نفسه.
وفي لحظة صدقٍ نادرة، اعترف ميليتاو خلال مؤتمرٍ صحفي مع منتخب البرازيل، قائلا: “مع إصابتي الثانية، فكرت في ترك كرة القدم. ليس من السهل المرور بكل هذا”. كانت كلماته تعبيرًا عميقًا عن حجم الألم النفسي الذي يعيشه اللاعب، حين يفقد الإحساس بما اعتاد عليه كل يوم.
وأضاف بوصفٍ مؤثر: “لقد كانتا سنتين في غاية الصعوبة، لأنني تعرضت لإصابتين معقدتين جدًا. تفقد روتينك اليومي، لا تستطيع التدرب أو الحركة بحرية، وتجد نفسك في المنزل تعتمد على الآخرين في كل شيء”.
بصيص أمل
لكن من بين هذا الظلام، بزغ بصيص الأمل من حوله، من عائلته وإيمانه. وأوضح قائلا: “بفضلهم، وبفضل زوجتي وابنتي، أنا اليوم هنا، قوي ومستعد لتقديم كل ما لدي”.
كانت كلماته مفعمة بالامتنان، تعبّر عن عمق دور العائلة في إنقاذه من قرارٍ، كان قد اقترب من اتخاذه بالفعل.
وأردف ميليتاو قائلا إن التجربة الثانية منحته “معرفة العملية”، لكنه شدد على أن تجاوز مثل هذه المحنة يتطلب “أن تكون مرتبطًا جدًا بعائلتك وبالله”.
ومع ذلك، لم يكن دعم العائلة وحده كافيًا، فقد كان لريال مدريد، ومدربه السابق كارلو أنشيلوتي، دورٌ إنسانيٌ محوري في إعادة بنائه نفسيًا.
تعامل أنشيلوتي مع ميليتاو ليس كلاعبٍ مصاب فحسب، بل كإنسانٍ يمر بأزمةٍ وجوديةٍ صعبة.
ويتذكر البرازيلي كلمات مدربه، التي كانت نقطة التحول في رحلته: “لقد رأى أنني شخص لديه مشاكل حقيقية. فهم موقفي الصعب. قال لي: ‘ابق هنا هادئًا، أنت لست جاهزًا للعب الآن’. كنت أشكره وأطلب منه اللعب، لكنه كان يعلم أن عليه أولًا استعادة الشخص قبل اللاعب. الأهم هو أن يكون رأسك بخير”.
العلاج الأول
هذه الكلمات كانت بمثابة العلاج الأول، فقد أعادت إليه التوازن الداخلي، وجعلته يفهم أن العودة إلى كرة القدم لا تبدأ من الركبة، بل من العقل والقلب.
وبفضل هذا الدعم النفسي والمهني، تجاوز ميليتاو مرحلة الانكسار تدريجيًا حتى عاد إلى التدريبات، وشيئًا فشيئًا إلى المباريات الرسمية، مستعيدًا إيقاعه وثقته بنفسه. لقد كانت رحلةً طويلةً ومليئةً بالألم، لكنه خرج منها أكثر صلابةً من أي وقتٍ مضى.
وبعد معركةٍ امتدت لأكثر من عام، غاب خلالها عن 94 مباراةٍ رسمية مع ريال مدريد، عاد ميليتاو بقوةٍ ملحوظةٍ، محافظًا على مستواه البدني العالي وسرعته المعتادة، ليبرهن أن الإرادة الصلبة يمكنها أن تهزم أكثر الإصابات قسوة.
رحلة قاسية
وقال ميليتاو عن عودته: “كانت رحلة قاسية، لكنها تستحق كل العناء، لأنني الآن أشعر أنني وُلدت من جديد. ألعب ليس فقط من أجل نفسي، ولكن من أجل كل من ساندني وآمن بي”.
وشهد الموسم الحالي (2025-2026) انتعاشًا تدريجيًا في مسيرته، حيث عاد ليحجز مكانه في التشكيلة الأساسية لريال مدريد. ووفقًا للإحصاءات حتى الآن، شارك ميليتاو في 7 مباريات بجميع المسابقات، منها 6 في الدوري الإسباني، سجل خلالها هدفًا واحدًا في شباك إسبانيول، ضمن الجولة الخامسة، في مباراةٍ انتهت بفوز الميرينجي بهدفين دون رد، كما نال بطاقةً صفراء واحدة، على مدار 495 دقيقة لعب.
أما على الصعيد الأوروبي، فشارك في مباراةٍ واحدةٍ كاملةٍ في دوري أبطال أوروبا، ضد مارسيليا الفرنسي، حصل خلالها أيضًا على بطاقةٍ صفراء.
وبذلك بلغ مجموع مشاركاته 585 دقيقة لعب، سجل خلالها هدفًا واحدًا، ونال بطاقتين صفراوين، مؤكدًا عودته التدريجية والفعالة كركيزةٍ دفاعيةٍ أساسية، في صفوف الفريق الملكي والمنتخب البرازيلي.
لقد عاد ميليتاو من حافة الاعتزال، ليُثبت أن الانكسار ليس نهاية الطريق، بل بدايةٌ جديدةٌ نحو المجد.