آرسنال على القمة.. هل يبني الفيل بيتًا فوق الشجرة؟‎

BySayed

أكتوبر 11, 2025


عاد التشبيه الشهير “آرسنال في قمة الدوري، كالفيل فوق الشجرة – لا أحد يعرف كيف وصل إلى هناك، ولكن الجميع يعلم أنه سيسقط”، إلى الواجهة مجددا مع تصدر المدفعجية للبريميرليج في الموسم الجاري.

الفريق اللندني يقود الترتيب برصيد 16 نقطة من 7 مباريات، حيث حقق 5 انتصارات وتعادلًا وهزيمة واحدة، لكن خلف هذه الأرقام، يختبئ سؤال ثقيل على قلوب الجماهير: هل كسر آرسنال أخيرًا لعنة السقوط؟ أم أن الفيل سيهتز من جديد عند أول عاصفة؟

صدارة وثقة

يعيش آرسنال، حالة نضج كروي لم يعرفها منذ سنوات طويلة، إذ يتصدر جدول الدوري، متقدمًا بنقطة على حامل اللقب ليفربول، مع دفاع فولاذي لم يستقبل سوى 3 أهداف في 7 مباريات، وهو الأقوى في المسابقة حتى الآن.

هذا الثبات ليس صدفة، بل يمثل انعكاسا مباشرا لتطور فكري وتكتيكي واضح تحت قيادة ميكيل أرتيتا، الذي نجح في تحويل الفريق من مجموعة واعدة إلى منظومة متكاملة تعرف متى تهاجم ومتى تتراجع ومتى تخنق الخصم بالضغط العالي.

وشهد موسم الفريق الحالي، تحوّلًا في فلسفة أرتيتا؛ فالفريق أصبح مرنًا بشكل يتيح التبديل بين طريقتي 4-3-3 و4-2-3-1 دون فقدان هويته.

وتُظهر الإحصاءات أن آرسنال يستعيد الكرة خلال 8.7 ثانية في المتوسط بعد فقدانها، مقابل 11 ثانية في موسم 2019 / 2020، مما يترجم مجهودا ذهنيا وبدنيا هائلا في سبيل السيطرة المطلقة على الإيقاع.

انهيارات مؤلمة

لكن تاريخ آرسنال الحديث، محفور بجروح لا تُنسى، ففي موسم 2022 / 2023، تصدر المدفعية، الجدول 248 يومًا كاملة، ثم سقطوا كمن تعبوا من الحلم.

12 نقطة فقط من آخر 9 مباريات كانت كفيلة بتحويل المجد المنتظر إلى خيبة جديدة.

تعادلات كابوسية أمام ليفربول (2-2) ووست هام (2-2) وساوثهامبتون (3-3) كانت كالرصاصات الباردة التي أطلقت على حلم اللقب الأول منذ 2004.

وفي موسم 2023 / 2024، حصد الفريق 89 نقطة، في ثالث أفضل رصيد لوصيف في تاريخ البريميرليج، لكنه وجد أمامه مانشستر سيتي، الذي خطف الحلم بفارق نقطتين.

ومع ذلك، كان هناك ما يوحي بالتطور، فقد جمع آرسنال 49 نقطة من أصل 54 نقطة، بعد بداية العام الجديد، وكأن الفريق بدأ يدرك أخطاءه، لكنه لم ينج بعد من شبحها. 

أما موسم 2024 / 2025 فكان أكثر قسوة، فانهار الفريق مبكرًا، وتخلف عن ليفربول بفارق 13 نقطة في فبراير/ شباط الماضي، لتعود الأسئلة القديمة: أين المهاجم القاتل؟ وأين البدلاء وقت الأزمات؟ الإصابات ضربت، والانضباط غاب، والطموح تبخر في منتصف الطريق.

ArsenalGetty

تفاؤل حذر

لكن يبدو أن موسم 2025-2026 ليس كغيره، فهذه المرة، هناك هدوء يسبق العاصفة، يصحبه ذكاء في التخطيط، فقد أتم آرسنال تعاقداته مبكرًا، وبدأ الموسم بصفقات مدروسة بعناية.

المهاجم السويدي فيكتور جيوكيريس، جاء من سبورتينج لشبونة مقابل 63.5 مليون يورو، مرتديًا الرقم 14 الذي كان يومًا على ظهر الأسطورة الفرنسي تييري هنري.

أرقام جيوكيريس في البرتغال (97 هدفًا في 102 مباراة) ليست عادية، إنها وعد صريح بإعادة أمجاد الملك هنري.

كما ضم النادي، الإسباني مارتن زوبيمندي ضابط إيقاع ريال سوسييداد، والمبدع إيبيريش إيزي من كريستال بالاس، ليضيف لمسة فنية وسرعة غير متوقعة.

نضج إداري وفني

المدير الرياضي الجديد أندريا بيرتا، القادم من أتلتيكو مدريد، أعاد تعريف كلمة “تخطيط”، فلا صفقات متأخرة، ولا مفاوضات عشوائية، بل هناك منهج واضح مبني على احتياجات حقيقية.

أما المدرب أرتيتا، فقد بدا أكثر هدوءا وثقة، متعلما من دروس السقوط، وأصبح يعرف متى يُغامر، ومتى يحمي فريقه من نفسه.

اللاعبون الشباب بدورهم يمثلون شريان الحياة، فعناصر أمثال إيثان نواريني، مايلز لويس سكيلي، والموهبة الفريدة ماكس داومان (15 عامًا)، يمنحون الفريق، طاقة جديدة، وجرأة تجعل المخضرمين أكثر يقظة.

إنه توازن نادر بين النضج والحلم، مزيج ربما كان ينقص آرسنال في السنوات الماضية، ومع ذلك، يبقى طريق اللقب محفوفًا بالأشواك، فمشكلة الانضباط لم تُحل تمامًا، والفريق الذي يتلقى أكثر من بطاقتين حمراوين في الموسم غالبًا لا يتوّج.

الإصابات أيضًا شبح دائم، والمنافسة لا ترحم، فكل غياب قد يفتح ثغرة، وكل ثغرة قد تبتلع الحلم بأكمله.. لكن الخطر الأكبر ليس في الأقدام، بل في العقول.

فآرسنال عاش كثيرًا تحت ضغط التاريخ، يخاف الظلال أكثر من الخصوم، فهل تعلّم كيف يتعامل مع الرعب حين يقترب من النهاية؟

فليفربول يملك شخصية البطل، بينما لا يزال مانشستر سيتي واقفًا كعملاق مهدد، تحت قيادة أسطورة التدريب بيب جوارديولا، وفي هذا الصراع، كل فريق أشبه بوحش يترقب الآخر، ينتظر لحظة الضعف ليقضي عليه.

نحو كسر العقدة التاريخية؟

كل المؤشرات تقول إن هذا الموسم قد يكون مختلفًا، فآرسنال بات أكثر نضجًا، أكثر عمقًا، أكثر وعيًا بحدوده وبقدراته، بفضل التخطيط الذكي، والصفقات المحكمة، والانضباط الدفاعي، والتوازن بين الخبرة والحماس، وكلها أسلحة في ترسانة أرتيتا الجديدة.. لكن كرة القدم لا تعترف بالنوايا، بل بالثبات حين يهتز كل شيء.

الفيل هذه المرة يبدو أكثر استقرارًا فوق الشجرة، جذوره مغروسة بعمق في فكرة جديدة عن الذات، فلم يعد السؤال: متى سيسقط الفيل؟ بل: هل تعلّم آرسنال أخيرًا من مرارة السقوط؟ وهل يمتلك حاليا ما يكفي من الصبر والشراسة ليظل فوق الشجرة حتى النهاية؟

الأسابيع المقبلة وحدها ستجيب، لكن رياح الشمال اللندني تحمل هذه المرة رائحة مختلفة، رائحة فريق ربما آن له أن يُولد من جديد.

صوت الجماهير

في المدرجات، تتنفس الجماهير، مزيجًا من الحذر والأمل، فالوجوه القديمة التي عاشت خيبات الماضي، لا تجرؤ على الفرح الكامل، بينما العيون الشابة ترى في هذا الفريق شيئًا يشبه الحلم المؤجل.

الهتافات ترتفع، لكنها تحمل رجفة خوف، الأغاني تُردد، لكن بنغمة انتظار.

في كل مرة يسجل فيها آرسنال هدفًا، تتعالى الصيحات، ثم يهمس أحدهم: “المهم ما سيحدث في النهاية”، فالمدرجات تعرف أن الفيل قد صعد مجددًا إلى الشجرة، لكنها هذه المرة تحلم بألا يسقط، بل أن يتعلم الطيران.



المصدر – كوورة

By Sayed