إمكانيات استثنائية وشخصية متواضعة.. ضعف التقدير يلاحق مسيرة كين

BySayed

أكتوبر 12, 2025


قلّما يظهر لاعب يملك القدرة على إعادة كتابة التاريخ في كل محطة يمر بها، وهاري كين هو أحد هؤلاء القلائل.

إنه نجم إنجلترا الأول، والهداف الذي أصبح مرادفا للاتساق، للذكاء، وللإصرار الذي لا يعرف التراجع. منذ أكثر من عقد، يعيش كين داخل منطقة الجزاء كما لو كانت وطنه الدائم، يصنع من كل فرصة حكاية، ومن كل هدف توقيعا جديدا في سجل المجد.

منذ بداياته مع توتنهام وحتى تحوله إلى نجم بايرن ميونخ، سطر كين مسيرة يحتذى بها في مدارس الاحتراف، وتُروى كأحد أعظم قصص الإصرار في كرة القدم الحديثة.

رقم لا يُكسر

حين يُذكر منتخب إنجلترا، لا بد أن يُذكر كين. ليس فقط لأنه القائد أو الرمز، بل لأنه أصبح منفردا الهداف التاريخي للأسود الثلاثة برصيد 74 هدفًا في 109 مباريات دولية.

الأهم من الرقم هو المعدل: هدف كل 1.47 مباراة، وهو ما يعكس فاعلية مذهلة في زمن تتقلص فيه المساحات ويزداد فيه الضغط الدفاعي.

لكن كين لم يتوقف عند حدود المجد الوطني. فمع توتنهام هوتسبير، الذي مثّله في 435 مباراة، نجح في تسجيل 280 هدفًا، ليصبح الهداف التاريخي للنادي اللندني متفوقًا على أساطير مثل جيمي جريفز وجلين هوديل.

ورغم أن مشواره مع سبيرز انتهى دون أي لقب، فإن ما تركه من إرث تهديفي لا يُقاس بالكؤوس، بل بالاستمرارية النادرة في الأداء، وبالقدرة على تحويل الفرص المحدودة إلى أهداف لا تُنسى.

من الشك إلى المجد

في صيف 2023، قرر كين أن يبدأ فصلا جديدا في مسيرته، منتقلا إلى بايرن ميونخ في صفقة ضخمة بلغت 86.4 مليون جنيه إسترليني. كان ذلك القرار بمثابة مغامرة بين تحديات جديدة في دوري مختلف، وضغوط التوقعات التي رافقته منذ لحظة وصوله إلى ألمانيا.

لكن بعد موسم واحد فقط، أثبت أن كل جنيه دُفع فيه كان استثمارا في ماكينة تهديف لا تهدأ.

سجل كين مع بايرن 103 أهداف في 106 مباريات، ليصبح أسرع لاعب في تاريخ النادي الألماني يصل إلى حاجز 100 هدف. بل تجاوز في هذا الإنجاز أسماء عملاقة مثل إيرلينج هالاند وكريستيانو رونالدو، بعد أن بلغ رقم المائة في 104 مباريات، متقدما بمباراة واحدة فقط على الثنائي اللذين حققاه مع مانشستر سيتي وريال مدريد في 105 مباريات لكل منهما.

ولم يكتفِ بالسرعة، بل أضاف إلى مسيرته ما كان ينقصها: اللقب الأول، إذ قاد بايرن للتتويج بلقب البوندسليجا في الموسم الماضي، لينهي سنوات الجفاف.

الآلة التي لا تهدأ

حتى بعد انتقاله إلى ميونخ، لم يفقد كين شهيته للتسجيل. في الموسم الحالي وحده، أحرز 19 هدفًا في 12 مباراة فقط بين بايرن والمنتخب الإنجليزي، بمعدل مذهل: هدف كل 52 دقيقة.

ذلك الإيقاع الجنوني يذكّر بمواسم الأساطير في عزّ مجدهم، لكنه يأتي من لاعب في الثانية والثلاثين من عمره، ما يجعل إنجازه أكثر دهشة وإعجابا.

كين ليس أسرع المهاجمين، لكنه الأذكى. يتحرك حيث لا يراه المدافعون، يسبقهم بالقرار قبل أن يسبقهم بالخطوة، ويحوّل كل تمريرة إلى احتمال خطر.

بين المجد والخيبة

رحلة كين مع المنتخب الإنجليزي ليست قصة متكاملة من الانتصارات، لكنها مليئة بالمحطات التي شكّلت شخصيته. في “يورو 2016″، خرجت إنجلترا بشكل مهين أمام أيسلندا، وكان كين جزءا من الفوضى التكتيكية التي جعلته ينفذ الركنيات بدلا من استقبالها.

لكن بعد عامين فقط، عاد في مونديال روسيا 2018 ليقود المنتخب إلى نصف النهائي للمرة الأولى منذ 28 عامًا، ويحصد الحذاء الذهبي برصيد 6 أهداف في 6 مباريات.

في “يورو 2020″، قاد إنجلترا للنهائي التاريخي أمام إيطاليا، وسجل 4 أهداف في 7 مباريات، لكنه غادر ملعب ويمبلي مكسور القلب بخسارة اللقب عبر ركلات الترجيح.

أما في مونديال قطر 2022، فكانت القصة أكثر قسوة، إذ أهدر ركلة جزاء حاسمة في الخسارة 2-1 أمام فرنسا في ربع النهائي، ثم جاء “يورو 2024” الأخير، حيث بدا أكثر إرهاقا، ومع ذلك أنهى البطولة كأحد هدافيها بثلاثة أهداف من 7 مباريات، رغم استبداله في كل أدوار خروج المغلوب.

هذه المسيرة جعلته الهداف التاريخي لإنجلترا في البطولات الكبرى برصيد 15 هدفًا في 29 مباراة، وهو إنجاز يضعه في المرتبة الخامسة على مستوى العالم بين مسجلي الأهداف في كأس العالم وكأس أوروبا مجتمعين، خلف رونالدو وكلوزه ومولر وكلينسمان.

عقل المهاجم قبل قدمه

ما يميز كين ليس فقط دقته أمام المرمى، بل طريقته في التفكير داخل الملعب. يمتلك حسا تكتيكيا استثنائيا يجعله قادرا على التراجع لصناعة اللعب، والربط بين الخطوط، وتمرير الكرات الحاسمة بزوايا لا يراها إلا لاعب يملك عين صانع الألعاب.

لهذا السبب يُعتبر من القلائل الذين جمعوا بين صفات الهداف وصانع اللعب في آنٍ واحد. فهو قادر على تسجيل 30 هدفا في الموسم، وصناعة 15 تمريرة حاسمة في الوقت ذاته، وهو توازن لا نراه حتى في عصور الأساطير.

في 11 موسما متتاليا منذ 2014-2015، لم يسجل كين أقل من 24 هدفا في كل البطولات. هذا الثبات المدهش يجعله أحد أكثر اللاعبين انتظاما في العالم، متفوقا في الاستمرارية حتى على نجوم مثل نيمار، لوكاكو، أو صلاح في بعض المواسم.

كين ضد هالاند

إيرلينج هالاند هو وجه الجيل الجديد من المهاجمين. شاب قوي، سريع، مرعب أمام المرمى. لكن عند الحديث عن الكمال الفني، يبقى كين المعيار الذهبي.

اللاعب النرويجي سجل 21 هدفًا في 12 مباراة هذا الموسم، رقمٌ خارق بكل المقاييس، لكن كين يوازيه إنتاجا رغم فارق السن، ويتفوّق عليه في الرؤية الشاملة للعبة.

إذا كان هالاند آلة تهديفية تعتمد على السرعة والموقع، فإن كين هو النسخة الإنسانية الذكية، التي تفكر قبل أن تضرب، وتخلق الفرصة إن لم تجدها. المقارنة بينهما أشبه بالمقارنة بين القوة الخام والفكر التكتيكي المتقن، وبين لاعب ينفجر داخل الصندوق وآخر يصنع المشهد بأكمله من خلفه.

ورغم كل هذا المجد، يعيش كين بعيدا عن الأضواء الصاخبة. لا يثير الجدل، لا يلهث وراء العناوين، ولا يبني نجوميته على ضجيج الإعلام. شخصيته الهادئة وانضباطه جعلتاه يحظى باحترام زملائه ومدربيه، سواء في إنجلترا أو ألمانيا.

في زمنٍ تصنع فيه الشهرة من خلال الصور والمنشورات، اختار كين طريق العمل الهادئ، فصار نموذجًا للمحترف الحقيقي.

حتى النقاد الألمان الذين شككوا في صفقة انتقاله إلى بايرن غيّروا رأيهم بعد موسم واحد فقط، بعدما لمسوا تأثيره على أداء الفريق داخل وخارج الملعب. فقد نقل كين روحا جماعية نادرة، ومارس دور القائد بصمته المعهود، جامعا بين النجومية والتواضع في معادلة تكاد تكون مستحيلة في كرة اليوم.



المصدر – كوورة

By Sayed