واصل المنتخب الإسباني كتابة فصول جديدة من تاريخه المجيد، بعدما اكتسح نظيره البلغاري بنتيجة (4-0) ضمن منافسات الجولة الرابعة من التصفيات الأوروبية المؤهلة إلى كأس العالم 2026.
وفي عرض جماعي متكامل أكد عودة “لا روخا” إلى قمة مستواه الفني، تحت قيادة المدرب لويس دي لا فوينتي، فالفوز لم يكن مجرد 3 نقاط، بل كان بمثابة محطة تاريخية رسخت اسم هذا الجيل ضمن صفحات المجد الإسباني، بفضل الأداء الهجومي المذهل والتماسك الدفاعي الكامل، إلى جانب أرقام قياسية مذهلة.
فبحسب “أوبتا”، فإن المنتخب الإسباني لم يخسر في آخر 29 مباراة رسمية متتالية (24 فوزًا و5 تعادلات)، ليعادل بذلك أفضل سلسلة لا هزيمة في تاريخه، التي حققها الجيل الذهبي بقيادة فيسنتي دل بوسكي بين عامي 2010 و2013، تلك الفترة التي شهدت تتويج “لا روخا” بكأس العالم 2010 وكأس أوروبا 2012.
وبهذا التعادل التاريخي في عدد المباريات دون خسارة، يبدو أن دي لا فوينتي يسير بخطى واثقة على درب الأساطير الذين صنعوا أمجاد المنتخب الإسباني في العقد الماضي.
ميرينو.. قلب نابض
في مباراة بلغاريا، واصل ميكل ميرينو تألقه اللافت، ليسجل هدفين رائعين ويقود بلاده لانتصار كبير، رافعًا رصيده إلى ستة أهداف في أربع مباريات فقط ضمن التصفيات الحالية.
ووفقًا لبيانات “أوبتا”، لم ينجح أي لاعب وسط في أوروبا في تسجيل عدد مماثل من الأهداف في التصفيات سوى البلجيكي كيفن دي بروين.
هذا الإنجاز لا يعكس فقط فاعلية ميرينو أمام المرمى، بل يؤكد تطوره التكتيكي الهائل وقدرته على شغل أدوار هجومية مزدوجة، بين صناعة اللعب وتسجيل الأهداف.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أصبح ميرينو أول لاعب وسط إسباني يسجل خمسة أهداف أو أكثر في تصفيات كأس العالم منذ الثنائي إيسكو ألاركون ودافيد سيلفا في تصفيات مونديال روسيا 2018، حين سجلا خمسة أهداف لكل منهما.
بهذا الأداء، يُثبت نجم آرسنال أنه أحد أعمدة المنتخب الأساسية، وأنّه يعيش أفضل فتراته الكروية تحت قيادة دي لا فوينتي الذي منحه الحرية للتقدم إلى الأمام واستغلال تفوقه البدني وقدرته على الاختراق والتمركز داخل المنطقة.
ثبات دفاعي يليق بالكبار
في الوقت الذي تألق فيه الهجوم الإسباني، فإن المنظومة الدفاعية بقيادة الثنائي آيمريك لابورت وروبن لو نورماند أثبتت أنها صلبة ومتماسكة.
فقد أنهى المنتخب المباراة بشباك نظيفة للمرة الرابعة على التوالي في التصفيات، في دلالة على التوازن الكبير بين خطوط الفريق.
ووفقًا لأرقام “أوبتا”، فقد شارك لو نورماند بشكل مباشر في 4 أهداف خلال آخر 5 مباريات خاضها بين أتلتيكو مدريد والمنتخب الإسباني (هدفان وتمريرتان حاسمتان)، وهو نفس العدد الذي ساهم به في 103 مباريات سابقة مع الأندية والمنتخب مجتمعين (ثلاثة أهداف وصناعة واحدة فقط).
هذا التطور اللافت يعكس الثقة التي اكتسبها المدافع الفرنسي الأصل، الذي بات عنصرًا أساسيًا في منظومة دي لا فوينتي، ليس فقط بقدراته الدفاعية، بل أيضًا بدقة تمريراته وقدرته على بدء الهجمات من الخلف.
هيمنة كاملة على مجريات اللعب
إسبانيا قدمت أمام بلغاريا عرضًا هجوميًا متنوعًا بين الاختراقات العمودية والتمريرات القصيرة السريعة على الطريقة التقليدية لـ“تيكي تاكا”.
بيدري كان بمثابة العقل المدبر من العمق، بينما قدّم جريمالدو عرضية مثالية لميرينو في الهدف الثاني، وأظهر يريمي بينو وباينا نشاطًا كبيرًا على الأطراف.
أما المهاجم بورخا إيجليسياس فكان مصدر إزعاج دائم للدفاع البلغاري، رغم سوء الحظ الذي لازمه في فرصتين محققتين بالشوط الثاني.
الهدف الثالث جاء عن طريق المدافع تشيرنيف بالخطأ في مرماه بعد تمريرة عرضية من أليكس جارسيا، قبل أن يُكمل أويارزابال الرباعية في الدقائق الأخيرة من اللقاء، ليختتم ليلة مثالية للمنتخب الإسباني.
دي لا فوينتي.. مشروع واعد بثبات ذهني وفني
الفوز الكبير على بلغاريا، إلى جانب الأرقام القياسية، يعكس العمل الكبير الذي يقوم به لويس دي لا فوينتي منذ توليه المهمة.
مدرب المنتخب الأولمبي السابق نجح في ضخ دماء جديدة داخل الفريق، وخلق انسجامًا بين الأجيال المختلفة، مع اعتماد أسلوب لعب مرن يجمع بين الضغط العالي والبناء الهادئ للهجمة.
كما يُحسب له إعادته الثقة إلى مجموعة من اللاعبين الذين لم يحصلوا على الفرصة الكافية سابقًا، مثل ميرينو، لي نورماند، وأويارزابال، الذين باتوا الآن ركائز لا غنى عنها في التشكيلة الأساسية.