“لا ثوابت في كرة القدم”.. هذا القول الشائع ربما يعكس حالات التحول المثيرة في عالم الساحرة المستديرة، وتغير أحوال بعض اللاعبين صعودا أو هبوطا.
وفي الدوري السعودي كانت هناك قصة مثيرة، بطلها نواف العقيدي حارس النصر والمنتخب، والذي قدم مستويات مميزة بالنسبة لحارس لم يتجاوز الـ 25 عاما، فهو ذو بنية جسدية مميزة، وقدرة فنية عالية، والأهم من ذلك أنه يمتلك موهبة فطرية كحارس، تجعله يتألق في المواقف التي تحتاج إليه فيها.
وكأي حارس في العالم، ارتكب العقيدي هفوات، لكن أحيانا لا يكون القدر رحيما، ولا يمهله فرصة للتعويض أو إثبات الذات، ففي وقت كان فيه يستعد لحماية عرين النصر بموسم التحديات، وأن يحاول إثبات ذات ضمن فريق قوي، لا يدم تألقه كثيرا حتى تبدأ الأخطاء المؤثرة.
16 مباراة فقط خاضها الحارس الواعد في دوري روشن موسم 2023-2024 الذي حمل التطلعات الكبيرة للعالمي من أجل مقارعة عمالقة الدوري والظفر ولو ببطولة، علما بأنه في الموسم السابق له لعب 11 مباراة فقط.
ومع وجود الحارس الكولومبي كثير الإصابات ديفيد أوسبينا، لم يكن العقيدي أفضل حظا منه، ففي الموسم قبل الماضي لعب 16 مباراة استقبلت شباكه فيها 20 هدفا، وخرج بشباك نظيفة 3 مرات فقط، وهي أرقام غير مشجعة لأي مدرب كي يضع ثقته فيه، ويقبل بأن ينهار البناء في أي لحظة، خاصة مع مدرب مثل لويس كاسترو، يواجه ضغوطا وتحديات كبيرة من أجل النجاح.
ومع بيولي، المدرب الإيطالي الذي تولى قيادة النصر في الموسم الحالي، ظل العقيدي يواجه شبح التجميد على مقاعد البدلاء، وضياع موهبته مبكرا، قابله رغبة قوية لدى البرتغالي جوزيه جوميز مدرب الفتح، في تجديد قفازات فريقه بمهمة كانت شبه انتحارية بالنسبة للحارس نواف.
من القمة إلى القاع
من فريق ينافس على القمة مثل النصر، إلى آخر يسعى للبقاء بكل قوته في روشن وهو الفتح، إذ أن فرصة استمراره في ديسمبر/ كانون الأول 2024 بين الكبار كانت لا تتخطى 10% بالنظر إلى النقاط القليلة التي حصدها في صراع الهبوط.
لكن تألق نواف لعب دورا مهما في أن تتحول دفة الأمور لصالح الفتح، بل وأن يلتفت إليه النصر، وكذلك الفرنسي هيرفي رينارد مدرب المنتخب السعودي، ويدرك أن هناك حارسا قرر أن ينفض عن نفسه غبار الهفوات والاندثار، ويبدأ صفحة جديدة من التألق.
عودة إلى القمة
مع نهاية الموسم الماضي، لم يكن هناك شك بشأن عودة العقيدي للنصر، فرغم تعاقد العالمي مع الحارس المتألق بينتو، والذي يشارك بشكل مستمر مع منتخب البرازيل، إلا أن وجود أكثر من لاعب قوي بهذا المركز، يشعل المنافسة بما يصب في مصلحة الفريق.
وكان التحدي هنا هو موافقة العقيدي نفسه على أن يدخل هذا السباق المحموم ويفرض أفضليته بأدائه، لكي ما يجبر المدرب الجديد، جورجي جيسوس، على أن يضع ثقته فيه.
ولعل سقطة السوبر بالنسبة لبينتو، مكنت أهلي جدة من التعادل مع النصر في وقت قاتل، ثم الفوز بركلات الترجيح للراقي، أعادت حسابات جيسوس بشأن إمكانية وضع ثقة أكبر في العقيدي على حساب البرازيلي.
وليس من السهل أبدا أن يفرض لاعب سعودي نفسه على حساب آخر أجنبي يُصنف من بين أفضل اللاعبين، خاصة إذا كان يتعلق الأمر بمركز مهم مثل حراسة المرمى.
لكن العقيدي فعل ذلك، وبدا واضحا أن جيسوس سيمنحه فرصة أكبر فيما هو قادم، بعدم أوكل لبينتو مهمة الدفاع عن عرين النصر في بطولة دوري أبطال آسيا 2، ما يعني أن العقيدي سيحصل على فرصة أكبر بالدوري.
كما منح العقيدي مدربه ميزة إضافية وهي صناعة الأهداف، حيث أصبح أكثر إتقانا لإرسال الكرات الطولية لمهاجمي الفريق في الهجمات المرتدة.
وفعل نواف ذلك في مباراة التعاون – التي حصل فيها على تقييم 7.2 بحسب منصة “سوفا سكور” – حيث أرسل كرة طولية انتهت بهدف في شباك المنافس، ما يثبت حضوره الذهني الكبير في المباراة ورؤيته المميزة للملعب.
الطريق إلى المونديال
من التألق مع النصر إلى الذود عن عرين المنتخب، فلا شك أنه الحارس الأبرز على الساحة حاليا، ويتفوق حتى على أحمد الكسار وراغد النجار وعبد الرحمن الصائبي ومحمد الربيعي، الحراس الذين أغلبهم لا يشارك بانتظام، وإن شاركوا فإنهم لا يقدمون نفس مستوى العقيدي.
ورغم أنه أمام العراق لم يتعرض للكثير من الاختبارات، بحكم أن أسود الرافدين مالوا للدفاع والاعتماد على المرتدات، إلا أن لقطة واحدة تكفي، وتظهر المعدن الأصيل للحارس.
ففي كرة اللحظات القاتلة للمنتخب العراقي، تصدى نواف ببسالة لفرصة هدف محقق كاد يسجله الضيوف ويحصدوا به بطاقة التأهل للمونديال.
لم يكن العقيدي ليُلام لو أنه فشل في التصدي للركلة المُنفذ في ارتفاع قاتل ومن فوق الحائط البشري، لكن قام بتصدي مثالي جعله يذود عن مرماه ويحميه من الخطر المحدق.
ولعل الإشادة التي نالها العقيدي من وسائل الإعلام السعودية وعبر مواقع التواصل الاجتماعي وأيضا من النجوم السابقين، لا تعكس فقط تألقه في تلك اللقطة، ولكن تشير إلى مدى الإعجاب بقدرة هذا الحارس الشاب على التحدي، وإثبات نفسه رغم كل الصعوبات والمعوقات.