من ملعب “ناسيونال” في العاصمة التشيلية سانتياجو، عاد نجم كرة القدم الكرواتي السابق دافور سوكر للمكان الذي شهد أولى لحظات مجده قبل نحو 4 عقود، حين توج بطلاً للعالم تحت 20 عامًا في عام 1987، عندما كانت كرواتيا لا تزال جزءًا من يوغوسلافيا السابقة.
وُلد دافور سوكر في مدينة أوسييك الكرواتية عام 1968، وبدأ مسيرته الكروية مع نادي مدينته أوسييك قبل أن ينتقل إلى دينامو زغرب، حيث لفت الأنظار بقدراته التهديفية العالية، ما فتح له أبواب الاحتراف في أوروبا الغربية.
تألقه اللافت قاده إلى إشبيلية الإسباني عام 1991، حيث كون ثنائيًا قويًا مع دييجو مارادونا، قبل أن ينتقل إلى ريال مدريد عام 1996 ليعيش هناك أزهى فتراته، إذ أحرز أكثر من 40 هدفًا بقميص النادي الملكي وساهم في تتويجه بلقب الدوري الإسباني ودوري أبطال أوروبا عام 1998.
على الصعيد الدولي، حمل سوكر شارة القيادة في المنتخب الكرواتي وكتب اسمه بحروف من ذهب في مونديال فرنسا 1998، حين قاد بلاده إلى المركز الثالث في أول مشاركة لكرواتيا بكأس العالم، وتوج في تلك البطولة بلقب الهداف برصيد 6 أهداف.
بعد ذلك، لعب لفترات قصيرة مع آرسنال ووست هام في إنجلترا، ثم أنهى مسيرته في ميونيخ 1860 الألماني.
سوكر، الذي قاد منتخب بلاده لاحقًا إلى المركز الثالث في مونديال فرنسا 1998، استغل زيارته الحالية لتشيلي لإرسال رسالة إنسانية وكروية عميقة عن قيمة اللعب للمنتخب الوطني ومعنى تمثيل الألوان الوطنية، وهو حلم قال إنه “لا يمكن لأي عقد أو أموال في العالم أن تساويه”.
وقال سوكر، في تصريحات لوكالة الأنباء الإسبانية “أن تكون بطلًا للعالم أهم من أي عقد، ومن أي شهر راتب، ومن تسجيل ثلاثة أهداف مع ناديك… كرة القدم هي الحلم، ومن لا يحلم لا يعرف معناها”.
الرجل الذي صنع المجد بقميص ريال مدريد وإشبيلية، عبر عن أسفه لحرمان بعض المواهب الشابة من فرصة تمثيل منتخباتهم في بطولات عالمية، بسبب رفض أنديتهم الأوروبية السماح لهم بالمشاركة.
وقال سوكر بأسف واضح: “بالتأكيد هؤلاء اللاعبون كانوا يرغبون في أن يكونوا هنا”، مشيرًا إلى أسماء مثل لامين يامال من برشلونة، وكلوديو إيتشيفيري من باير ليفركوزن، وفرانكو ماستانتو نو من ريال مدريد.
وأضاف بابتسامة: “بعد 38 عامًا من فوزنا هنا في تشيلي، لا يزال الشعور كما هو. هذه الذكريات لا تُشترى بالمال، وستبقى من أجمل الصور التي تراودني حتى آخر لحظة في حياتي”.
ذكريات الحرب
الأسطورة الكرواتية لم تتحدث فقط عن أمجاد الماضي، بل تطرقت إلى الوجه القاسي من مسيرتها، حين حرمته الحرب في منطقة البلقان بداية التسعينيات من اللعب لسنوات مع أبرز نجوم جيله.
يقول سوكر متحسرًا: “لم نلعب لمدة 4 سنوات بسبب الحرب، تخيل لو أن الأرجنتين حُرمت من اللعب 4 سنوات وهي تمتلك ميسي ودي ماريا وآخرين. كنا في أفضل مراحلنا بين 23 و27 عامًا، وكان الأمر قاسيًا للغاية”.
ورغم قسوة تلك التجربة، فإن سوكر يرى فيها درسًا للحياة، إذ علمته أن كرة القدم ليست فقط منافسة على الألقاب، بل صبر وتحمل وشغف مستمر مهما كانت الظروف.
نظرة فنية إلى الجيل الجديد
خلال زيارته لتشيلي، تابع سوكر بعض مباريات بطولة كأس العالم تحت 20 عامًا، وأبدى إعجابه بعدد من المنتخبات، خاصة المنتخب الكولومبي الذي وصل إلى المربع الذهبي.
وقال في تحليله الفني: “كولومبيا تملك لاعبين مذهلين من حيث السرعة والمهارة، لكنهم افتقدوا الهدوء والحسم أمام المرمى. لم يكن لديهم الخبرة الكافية داخل منطقة الجزاء”.
كما أشاد بعدة منتخبات أخرى، مضيفًا: “الأرجنتين تملك دائمًا مواهب رائعة، وكذلك إسبانيا وتشيلي والمغرب. وحتى اليابان فاجأتني بمستواها الكبير. هذه المنتخبات تملك مستقبلًا مشرقًا في كرة القدم العالمية”.
دروس من الخسارة والانتصار
الهداف التاريخي لمونديال فرنسا 1998 قدّم أيضًا نصيحة أبوية للجيل الجديد، مؤكدًا أن أهم ما يمكن أن يتعلمه اللاعبون الشباب من البطولات الكبرى هو كيفية التعامل مع الفوز والخسارة.
يقول سوكر: “أعرف تمامًا ما يشعر به لاعبو كولومبيا الآن بعد خسارتهم. لم يناموا طوال الليل وهم يسألون أنفسهم: لماذا خسرنا؟ بينما لاعبو الأرجنتين سينامون كأبطال، رغم أنهم الأشخاص أنفسهم… الفارق هو النتيجة فقط”.
وأضاف مؤكدًا أن النضج الحقيقي يأتي من التجارب الصعبة: “عليهم أن يتعلموا التعايش مع النصر والهزيمة. لا يوجد لاعب يسجل كل الأهداف أو يفوز بكل المباريات، هذا لم يحدث في التاريخ”.
وفي حديثه عن رمزية اللعب للمنتخب، شدد سوكر على أن الفخر الوطني هو أسمى ما يمكن أن يشعر به لاعب كرة القدم، قائلاً: “أن تضع يدك على صدرك وتغني النشيد الوطني هو درس في الحياة. كرة القدم ليست فقط 90 دقيقة، إنها تربية تبدأ في المنزل، في المدرسة، وفي الطريقة التي تحترم بها علم بلدك”.
ورفض سوكر توجيه الانتقادات للجيل الجديد بسبب اهتمامهم بالمظاهر أو الوشوم، قائلًا بابتسامة: “كل زمن وله سماته. لا أريد أن ألومهم على الأوشام أو التسريحات، المهم أن يبقى الشغف هو الأساس”.