أعرب الإسباني ميكيل أرتيتا، المدير الفني لآرسنال، عن سعادته البالغة بالفوز الصعب والمهم الذي حققه فريقه على حساب فولهام بهدف دون رد، في المباراة التي أقيمت اليوم السبت على ملعب “كرافين كوتاج”، ضمن الجولة الثامنة من الدوري الإنجليزي الممتاز.
وقال أرتيتا، في تصريحات لشبكة “سكاي سبورتس” عقب المباراة: “حققنا فوزًا مهمًا جدًا على ملعب صعب للغاية. لقد عانينا هنا في السنوات القليلة الماضية، لكننا اليوم أظهرنا روحًا مختلفة، وانضباطًا تكتيكيًا كبيرًا. ارتكبنا بعض الأخطاء في الشوط الأول، لكننا تحسّنا كثيرًا في الشوط الثاني، وسيطرنا على مجريات اللقاء بشكل واضح”.
وأضاف: “قمنا بتغيير هيكل اللعب لتسهيل عملية بناء الهجمات، ما منحنا مرونة وسلاسة أكبر. الفريق يعرف الآن كيف يتأقلم مع مجريات المباراة، وهذا شيء لم يكن يحدث بسهولة من قبل”.
وتابع المدرب الإسباني: “من الرائع أن يسجل لياندرو تروسارد مجددًا، فهو لاعب مهم جدًا لنا، وأداؤه كان متكاملًا. كما أننا حافظنا على نظافة شباكنا مرة أخرى، وهذا دليل على تماسك المجموعة وانضباطها الدفاعي”.
ركلة الجزاء
وعن الجدل الذي أثير حول ركلة الجزاء المحتملة لفولهام، علّق أرتيتا قائلًا: “لقد قيل لي إنها ليست ركلة جزاء، وأنا أعتقد أن القرار كان صحيحًا، لكني فوجئت بالوقت الطويل الذي استغرقته مراجعة اللقطة عبر تقنية الفيديو”.
أما تروسارد، صاحب هدف اللقاء، فقال: “كانت مباراة صعبة جدًا، خاصة في الشوط الأول حيث افتقدنا الإيقاع والجودة في التمرير. لكن في الشوط الثاني استعدنا شخصيتنا، وخلقنا فرصًا أكثر. أنا سعيد جدًا بالهدف وبالنقاط الثلاث، فالفوز في مثل هذه الملاعب يمنحك دفعة هائلة”.
وأضاف: “الكرات الثابتة أصبحت سلاحًا مهمًا لنا، نغيّر الخطط في كل مباراة لأننا نعرف أن الخصوم يحاولون التكيف معنا، لذلك نحن أيضًا نعمل على مفاجأتهم”.
واختتم: “بعد التوقف الدولي كنت في حالة جيدة، ولم أشعر بأي إرهاق، المهم أننا واصلنا الانتصارات وحافظنا على شباكنا نظيفة. علينا الاستمرار بهذا التركيز”.
تفاؤل حذر في الشمال اللندني
يبدو أن موسم 2025-2026 مختلف في أجوائه عن المواسم السابقة، فهناك هدوء محسوب وذكاء في كل قرار، وكأن النادي قرر أن يتعلم من أخطائه السابقة بجدية. أرسنال بدأ الموسم بتخطيط استراتيجي محكم، وأتم تعاقداته مبكرًا دون ضوضاء أو تأخير.
أبرز الصفقات كانت المهاجم السويدي فيكتور جيوكيريس القادم من سبورتينج لشبونة مقابل 63.5 مليون يورو، مرتديًا القميص رقم 14، الرقم الذي خلّد اسم الأسطورة تييري هنري. أرقامه في البرتغال (97 هدفًا في 102 مباراة) جعلت الجماهير ترى فيه الوعد الجديد لعودة هيبة “المدفعجية” الهجومية.
كما ضم الفريق الإسباني مارتن زوبيمندي من ريال سوسييداد، أحد أكثر لاعبي الارتكاز ذكاءً في أوروبا، ليمنح الفريق توازنًا بين الدفاع والهجوم، إلى جانب الجناح المهاري إيبيريش إيزي القادم من كريستال بالاس، الذي أضاف لمسة فنية وسرعة غير متوقعة في الثلث الأخير من الملعب.
إداريًا، أحدث المدير الرياضي الجديد أندريا بيرتا القادم من أتلتيكو مدريد ثورة هادئة في طريقة العمل. لا صفقات متأخرة، ولا مفاوضات بلا هدف، بل خطة واضحة مبنية على احتياجات واقعية ومتابعة دقيقة لأداء اللاعبين.
أما أرتيتا، فقد بدا أكثر نضجًا واتزانًا من أي وقت مضى. تعلّم من تجاربه السابقة، وأصبح يعرف متى يخاطر ومتى يحمي فريقه من التهور. لم يعد الفريق يعتمد على الاندفاع فقط، بل بات يلعب بعقلانية وصبر، وهو ما يظهر في طريقة إدارته للمباريات الصعبة خارج الأرض.
الشباب أيضًا يلعبون دورًا محوريًا في مشروع أرتيتا، فالمواهب الصاعدة مثل إيثان نواريني ومايلز لويس سكيلي وماكس داومان (15 عامًا فقط) تمثل جيل المستقبل، وتمنح الفريق عمقًا وطاقة متجددة، تجعل اللاعبين الكبار في حالة تحدٍ دائم للحفاظ على مراكزهم.
ورغم كل ذلك، يظل طريق اللقب محفوفًا بالمخاطر. مشكلة الانضباط لم تختفِ تمامًا، والإصابات تظل تهديدًا حقيقيًا لمسيرة الفريق، خاصة مع جدول مزدحم في الدوري ودوري الأبطال. لكن الخطر الأكبر هو الذهني، في ظل الضغط التاريخي الذي عاشه آرسنال لعقود، فعندما يقترب من القمة، يبدأ في الخوف من السقوط.
فهل يتعامل الفريق هذه المرة مع لحظة الحقيقة بثبات؟ ليفربول لا يزال يملك شخصية البطل، ومانشستر سيتي ما زال العملاق المتربص بقيادة بيب جوارديولا، وفي هذا الصراع لا مجال للخطأ.
نحو كسر العقدة التاريخية؟
كل المؤشرات تشير إلى أن آرسنال اليوم فريق مختلف. أكثر نضجًا، أكثر واقعية، وأقرب من أي وقت مضى للفوز الكبير الذي طال انتظاره. الانضباط التكتيكي، الصفقات الذكية، القوة البدنية، وتنوع الحلول الهجومية، كلها أسلحة تضع أرتيتا في موقع يسمح له بالمنافسة حتى النفس الأخير.
لكن كرة القدم لا تعترف بالنوايا الحسنة، بل بالثبات حين تهتز الأرض. آرسنال هذه المرة يبدو كفيل يقف بثقة فوق شجرة عالية؛ لم يعد السؤال “متى سيسقط؟” بل “هل تعلم كيف يبقى هناك؟”.