قدّم خافيير كليمنتي، مدرب منتخب إسبانيا الأسبق، رؤية صريحة حول عدة ملفات شغلت الأوساط الكروية الإسبانية مؤخراً.
ودافع كليمنتي بقوة عن لويس دي لا فوينتي، مدرب إسبانيا الحالي، في مواجهة الانتقادات التي طالته، وفي المقابل لم يتردد في توجيه انتقاد لاذع لسلوك فينيسيوس جونيور نجم ريال مدريد في الكلاسيكو، واصفاً تصرفه بأنه “قبيح جداً” ويدل على “غياب الثقافة الكروية”.
بدأ كليمنتي حديثه مع صحيفة “آس” الإسبانية، عن حظوظ “لا روخا”، في المونديال قائلاً: “إسبانيا ليست بالضرورة المرشح الأول للفوز بالنجمة الثانية في كأس العالم، لكنها بالتأكيد ضمن مجموعة تضم خمس أو ست منتخبات قادرة على المنافسة على اللقب”.
وأضاف أن اللاعبين قد يتغيرون، لكن أسلوب المنتخب بقي ثابتاً منذ سنوات في جميع الفئات السنية وصولاً إلى المنتخب الأول، ما يعدّ نقطة إيجابية.
ثم انتقل للحديث عن قائمة دي لا فوينتي للمونديال، مؤكداً أنه يعتقد أن المدرب حسم 20 اسماً من أصل 25 أو 26، بينما ستتنافس مجموعة من 14 إلى 15 لاعباً على المراكز المتبقية.
وأشار إلى أن دي لا فوينتي ولويس إنريكي مدرب باريس سان جيرمان يتمتعان بشخصيات مختلفة، إذ يتسم إنريكي بالاندفاع، بينما يتصف دي لا فوينتي بالهدوء والاتزان.
ودافع كليمنتي بشدة عن دي لا فوينتي، موضحاً أن البعض قلل من شأنه في بداية توليه المهمة، متجاهلين نجاحاته السابقة مع الفئات السنية، من المنتخب تحت 21 عاماً وحتى الأولمبي.
وأكد أن النجاحات التي حققها مع المنتخب الأول أثبتت أحقيته بالمنصب، وأن النتائج دليل واضح على عمله المميز رغم عدم رضا البعض.
وبخصوص الجدل بين دي لا فوينتي ومدرب برشلونة هانز فليك حول إصابة لامين يامال، أشار كليمنتي إلى أن فليك يبدو له شخصاً محترماً، لكنه أكد أن تصريحات دي لا فوينتي تم تضخيمها، وأن الأخير لم يقصد الإساءة. كما تحدث عن تجاربه السابقة مع اللاعبين المصابين، حيث كان أحياناً يصطحب لاعبين غير جاهزين للعلاج مع أطباء المنتخب، مؤكداً أنه لم يواجه أي مشكلة مع أنديتهم بشأن ذلك.
وعند سؤاله عن نصيحته ليامال، رفض تقديم أي نصيحة مباشرة، مؤكداً أن كل لاعب مسؤول عن حياته، وأن الأمر يعود له ولعائلته وبيئته والنادي. لكنه عاد ليشير إلى الضغوط الهائلة التي يتعرض لها اللاعبون الشباب، محذراً من الدفع بهم دون موافقة الجهاز الطبي، خصوصاً في ظل نموهم الجسدي المستمر.
وفتح كليمنتي النار على فينيسيوس جونيور، في تعليق مباشر على تصرفه عند استبداله في الكلاسيكو الأخير، قائلاً: “ما فعله كان قبيحاً، وقبيحاً جداً. هذا يدل على غياب الثقافة الكروية. قد يكون الأمر معتاداً في بلده، لكنه هنا غير مقبول. لقد كان الأمر صدمة للجميع”.
وأضاف أنه خلال مسيرته الطويلة لم يعش موقفاً مشابهاً، باستثناء خلافه مع مانويلو سارابيا بسبب عدم إشراكه، وليس بسبب استبداله.
وكان فينيسيوس قد أبدى غضبه الشديد تجاه مدربه تشابي ألونسو وتفوه ببعض الألفاظ أثناء استبداله في الكلاسيكو أمام برشلونة الذي انتهى بفوز الريال (2-1) الشهر الماضي.
وفي تقييمه للدوري الإسباني، أكد كليمنتي أن الوقت لا يزال مبكراً لحسم ملامح المنافسة، لكن ريال مدريد وبرشلونة يظلان المرشحين الأبرز، مستعيداً مقولة صديقه الراحل لويس أراجونيس حول مراحل الموسم: الدور الأول للبقاء بالقرب من القمة، وبداية الدور الثاني للتموضع، والمرحلة الأخيرة من أجل الانطلاق نحو اللقب.
وعن فلسفة فليك الدفاعية المتقدمة، أكد كليمنتي أنه لا يحق له تقديم النصح لمدرب في قامة فليك، لكنه أشار إلى الواقعة الوحيدة التي تدخل فيها، وكانت حين انتقد كيكي سيتيين المدرب بوردالاس، معتبراً أن سيتيين كان غير لائق في تصريحه.
وأوضح أن بوردالاس من أكثر المدربين الذين يُعاملون بشكل غير منصف رغم احترافيته الكبيرة.
كما تطرق كليمنتي لتجربته مع تشابي ألونسو في ريال سوسيداد، حيث منحه فرصة الظهور في كأس الملك ورأى فيه لاعباً مميزاً منذ اللحظة الأولى، قبل أن ينصحه بالانتقال إلى إيبار للحصول على دقائق لعب منتظمة.
وأشاد كليمنتي بشخصية ألونسو التي قادته ليصبح لاعباً ومدرباً كبيراً، مؤكداً أن توليه تدريب ريال مدريد ليس أمراً يجب أن يخشاه أي مدرب يمتلك شخصية قوية.
وختم كليمنتي الحوار بالحديث عن سيلتون سانشيز، الجوهرة الجديدة في أتلتيك بلباو، قائلاً إنه شاهده لأول مرة يوم الأحد الماضي وقدم أداءً جيداً ولمحات لافتة، لكنه شدد على ضرورة اللعب باستمرار كل أسبوع، ومحذراً من سباق الأندية للزج بلاعبين صغار جداً دون تقييم طبي سليم، خصوصاً بعد انفجار لامين يامال في برشلونة.
مسيرة مميزة
يُعدّ خافيير كليمنتي واحداً من أبرز المدربين في تاريخ كرة القدم الإسبانية، بعدما قدّم مسيرة طويلة اتسمت بالقوة التكتيكية والشخصية الصارمة. وُلد كليمنتي عام 1950 في منطقة بيسايا الباسكية، وبدأ مسيرته كلاعب في نادي أتلتيك بيلباو، حيث كان يُنظر إليه كأحد المواهب الدفاعية الواعدة. غير أن إصابة خطيرة في سن مبكرة أنهت مسيرته كلاعب وهو في الرابعة والعشرين، لتبدأ بعدها رحلته الحقيقية في عالم التدريب.
دخل كليمنتي عالم التدريب من بوابة أتلتيك بيلباو أيضاً، وسرعان ما أثبت قدرته على إدارة غرفة الملابس وصناعة فريق منضبط دفاعياً. حقق مع النادي الباسكي إنجازاً تاريخياً عندما قاده للتتويج بلقب الدوري الإسباني مرتين متتاليتين في 1983 و1984، إضافة إلى كأس الملك، ليصبح أحد أكثر المدربين نجاحاً في تاريخ النادي. وتميزت فرق كليمنتي دائماً بالصلابة الدفاعية والتنظيم التكتيكي الدقيق، وهي السمات التي أصبحت لاحقاً جزءاً من هويته التدريبية.
في عام 1992، تولى كليمنتي تدريب المنتخب الإسباني، وقاده في بطولتي كأس العالم 1994 و1998، إضافة إلى يورو 1996. وبرغم الانتقادات المتعلقة بالطابع الدفاعي لأسلوبه، إلا أنه ترك بصمة واضحة على “لا روخا”، إذ أعاد الانضباط والروح التنافسية للفريق خلال فترة انتقالية معقدة.
بعد رحيله عن منتخب إسبانيا، تنقل كليمنتي بين عدة منتخبات وأندية، من بينها صربيا والكاميرون وليبيا، إلى جانب محطات في الدوري الإسباني مثل إسبانيول وريال بيتيس وريال سوسييداد. ورغم اختلاف التجارب والظروف، حافظ كليمنتي على شخصيته الحادة والصريحة التي جعلته أحد أكثر المدربين إثارة للجدل في بلاده.
اليوم يُنظر إلى كليمنتي كأحد رموز التدريب الكلاسيكي في إسبانيا؛ مدرب ترك إرثاً واضحاً يقوم على الانضباط والالتزام، ونجح في بناء فرق صلبة رغم الإمكانات المحدودة في كثير من الأحيان، ليبقى اسمه حاضراً في تاريخ الكرة الإسبانية.