أنهى المنتخب الإنجليزي مشواره في التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم بصورة مثالية، بعد فوزه في ألبانيا وحصده العلامة الكاملة بـ ثمانية انتصارات من ثماني مباريات، تحت قيادة المدير الفني الألماني توماس توخيل، مسجلاً 22 هدفاً دون أن تهتز شباكه بأي هدف.
إنها بداية خارقة تؤكد أن الاتحاد الإنجليزي كان يعرف تماما ما يفعل، عندما اختار المدرب الذي خلف السير جاريث ساوثجيت: الرجل الذي جاء بمهمة واحدة… الفوز بكأس العالم.
وبانتهاء المرحلة الأولى من مشروعه، ينتقل توخيل الآن إلى ما أسماه بـ”مرحلة التفكير العميق” قبل إعلان قائمته النهائية لكأس العالم.
وبينما تزداد الضغوط ونبرة التوقعات، يبقى السؤال: ما هي أبرز الملفات الشائكة التي يجب أن يحسمها الرجل الألماني لإنهاء انتظارٍ دام ستة عقود للحصول على لقب كبير في كرة القدم الإنجليزية للرجال؟
صراع القميص رقم 10
لا شك أن المنافسة بين صديقي الطفولة جود بيلينجهام ومورجان روجرز على شغل موقع “رقم 10” في منتخب إنجلترا، تعد واحداً من أهم محاور اهتمام توخيل في رحلته نحو المونديال.
توخيل شدد على أن المنافسة “ودية”، لكن الحقيقة أن المدرب الألماني كان حريصا على تعزيز هذا الصراع لإشعال الحافزية داخل الفريق، فهو يؤمن أن التنافس الداخلي يصنع فريقا بطلا.
روجزر كان اللاعب الأكثر استفادة من غياب بيلينجهام بعد خضوع الأخير لجراحة في الكتف، وقدّم مستويات لافتة دفعت توخيل إلى الإبقاء عليه أساسيا حتى بعد عودة نجم ريال مدريد. إذ لم يحصل بيلينجهام على عودة فورية إلى التشكيل الأساسي، بل اكتفى بـ25 دقيقة فقط كبديل أمام صربيا في ويمبلي.
لكن في تيرانا، بدأ بيلينجهام مباراة ألبانيا، وقدّم كل ما يجعل اسمه مادة دسمة للنقاش: تمريرات دقيقة، انطلاقات تمزق الخطوط، فرصة خطيرة كادت أن تتحول إلى هدف، وكذلك بعض اللقطات السلبية مثل العصبية التي أظهرها بعد حصوله على بطاقة صفراء نتيجة تدخل متأخر عقب فقدانه للكرة، وأيضاً امتعاضه عند استبداله.. وهي تفاصيل قال توخيل إنه سيعيد تقييمها.
في المقابل، فإن روجزر قدّم واحدة من أكثر البدايات إقناعا لأي لاعب إنجليزي في عهد توخيل، وبات يمثل لغزا سعيدا للمدرب: هل يعتمد على خبرة بيلينجهام؟ أم على انسيابية روجرز المرتفعة؟
الأرقام تكشف الكثير، روجرز شارك 10 مرات تحت قيادة توخيل، لعب 531 دقيقة، وبدأ 6 مباريات، بينما بدأ بيلينجهام 4 مرات فقط، ولعب 374 دقيقة.
ورغم الجودة التي يمتلكها فيل فودين، الذي يرى توخيل أنه ليس جناحا بل “خليط بين 9 و10″، إضافة إلى قدرة كول بالمر على دخول المنافسة بمجرد تعافيه من إصابة الحوض… إلا أن المعركة الكبرى تبقى بين بيلينجهام وروجرز.
ومع كل هذا الزخم، تبقى الحقيقة: خبرة بيلينجهام في البطولات الكبرى تمنحه أفضلية واضحة لبدء المباراة الافتتاحية في المونديال. حتى ألبانيا نفسها اعترفت بقيمته، عندما طلب كريستيان أسلاني قميصه بين الشوطين خوفا من ضياعه بعد المباراة.
من بديل كين؟
حافظ هاري كين على سجله التاريخي مع إنجلترا بثنائية جديدة أمام ألبانيا، مؤكداً أنه رغم بلوغه 32 عاما، ما يزال في قمة عطاءه. إنه ليس مجرد هدّاف، بل لاعب متكامل: يعود للمساندة، يربط الخطوط، ثم يظهر في التوقيت المثالي داخل الصندوق ليُنهي الهجمة بكفاءة.
كين هو الهداف التاريخي لبلاده بـ 78 هدفاً في 112 مباراة. المشكلة الكبرى لتوخيل ليست في وجوده.. بل في غيابه. فالبدائل المتاحة لا تقترب من مستواه بأي شكل.
داني ويلبيك (34 عاماً) تم ترشيحه للعودة، في إشارة تكشف هشاشة الخزان الإنجليزي في هذا المركز، أما أولي واتكينز فلعب بعض الدقائق، لكنه لا يقدم حضور كين.
وخرج إيفان توني ماما من الصورة بعد تلك الدقيقتين الغريبتين أمام السنغال، ويمكن لماركوس راشفورد اللعب كرأس حربة، لكنه ليس النموذج المثالي.
أنتوني جوردون أيضاً لعب كمهاجم في نيوكاسل، لكنه ليس مهاجما صريحا، وحتى فودين طُرح اسمه كحل تكتيكي… لكنه غير مقنع.
الأسئلة الدفاعية
قدّم جون ستونز مباراة استثنائية في تيرانا، حيث لعب دورا “هجينا”: مدافعاً حيناً، ولاعب ارتكاز حينا آخر، بطريقة تشبه أسلوبه في مانشستر سيتي. إنه النوع من اللاعبين الذي يضيف بُعدا إضافيا لخطط توخيل.
ومع أن توخيل غالبا سيعتمد على خط دفاع رباعي في المونديال، إلا أن المنافسة تبدو محصورة بين: جون ستونز وإزري كونسا ومارك جويهي.
ستونز يمتلك الخبرة، وكونسا وجويهي قدما تطورا لافتا قبل إصابتهما التي حرمتهما من الظهور في ألبانيا. أما الوافد الجديد جاريل كوانساه، فقد ظهر بثقة تُبشّر بمستقبل قوي، خصوصا بعد أن لعب في قلب الدفاع ثم كظهير أيمن.
مشكلة الظهير الأيسر
ربما هذا هو الخط الأكثر تعقيدا. قدم لاعب مانشسار سيتي نيكو أورايلي أفضل أداء في آخر مباراتين، بينما تحتاج موهبة جيد سبينس لاعب توتنهام إلى ثبات.
وتم استبعاد مايلز لويس سكيلي لاعب آرسنال بسبب قلة الدقائق التي يلعبها مع فريقه، فيما يبدو لاعب توتنهام تينو ليفرامنتو، الأقرب لانتزاع المركز متى عاد من الإصابة.
هذا المركز ما يزال بلا لاعب أساسي ثابت، وقد يحصل توخيل على فرصة أكبر بتحديد خياراته، خلال فترة التوقف الدولية في مارس/آذار المقبل.
من يُكمل ثلاثي الهجوم؟
على الجهة اليمنى، لا نقاش: بوكايو ساكا هو اللاعب الأول بلا منازع. أما الجهة اليسرى… فهي قصة مختلفة.
قدّم ماركوس راشفورد تمريرة حاسمة رائعة لهدف كين الثاني في ألبانيا، وهي لقطة قد تكون أثقل من أي نقاش تكتيكي.
راشفورد يريد هذا المركز بشدة، وتوخيل يعلم أن اللاعب حين يكون في مزاجه الصحيح يقدم حلولا لا يمكن تجاهلها.
لكن المنافسة شرسة.. أنتوني جوردون يقدم مستويات متصاعدة.، ويعتبر نوني مادويكي أحد المفضلين لدى توخيل، لكنه مصاب.
واستعاد جاك جريليش جزءا من مستواه مع إيفرتون لكنه بعيد عن الصورة، كما لعب إيبيريتشي إيزي لعب أساسيا أمام ألبانيا، ويمكنه اللعب يساراً أو كصانع لعب، لكنه ليس خيارا أوليا.
راشفورد يعرف أن المنافسة ليست سهلة، لكن تمريرته الساحرة في تيرانا كانت رسالة قوية لتوخيل بشأن جاهزيته للمشاركة في كأس العالم.