أكد الألماني توماس توخيل، مدرب منتخب إنجلترا، أن لاعب الوسط جود بيلينجهام يجب أن يقبل قراراته ويحترمها، بعد أن أبدى اللاعب إحباطه من استبداله في الدقائق الأخيرة من الفوز الإنجليزي على ألبانيا في تصفيات كأس العالم.
وفقًا لشبكة “espn”، فقد جاء هذا التصريح بعد مباراة شهدت فوز إنجلترا بهدفين نظيفين في تيرانا، سجلهما هاري كين في الدقائق الأخيرة، ليختتم الفريق مشواره المثالي في المجموعة الثامنة بتحقيق الفوز الثامن والحفاظ على شباكه نظيفة للمباراة الثامنة على التوالي.
وأبدى اللاعب البالغ من العمر 22 عامًا انزعاجه برفع يديه في الهواء بعد الهدف الثاني، بعدما رأى مورجان روجرز ينتظره على خط التماس، وهي ردّة فعل لم ترق لتوخيل.
وقال توخيل: “هذا هو القرار، ويجب أن يقبله. صديقه ينتظر على الخط الجانبي، لذلك عليك أن تقبله وتحترمه وتواصل العمل”.
وعندما سُئل إذا كانت ردّة فعل بيلينجهام تتناقض مع ما تحدثت عنه من سلوكيات، أجاب توخيل: “لم أر الأمر بهذه الطريقة، سأحتاج إلى مراجعة الموقف. لقد رأيت أنه لم يكن سعيدًا، ولا أريد أن أعطي الموضوع أكثر من حجمه الآن. أعتقد أنه إلى حد معين، إذا كان لديك لاعبين مثل جود، الذين يتمتعون بروح تنافسية عالية، فلن يحبوا ذلك أبدًا، لكن كما قلت، كلمتي ثابتة. الأمر يتعلق بالمعايير والمستوى، وهو التزام واحترام متبادل، فهناك شخص ينتظر بالخارج، ولن نغير قرارنا لمجرد أن أحدهم يلوح بذراعيه”.
وأضاف توخيل أن الانطباع السيئ يحدث إذا أخذت الحوادث الفردية الاهتمام بعيدًا عن الصورة الجماعية، التي كانت محور تركيز إنجلترا طوال مشوارها المثالي في التصفيات.
وأشار توخيل إلى أنها كانت سنة أولى رائعة تحت قيادته، حيث سيعرف منافسيه في كأس العالم الصيف المقبل خلال سحب القرعة يوم 5 ديسمبر/كانون الأول المقبل، ليصبح المنتخب الإنجليزي أول فريق أوروبي يلعب على الأقل 6 مباريات في تصفيات كأس العالم ويفوز بها جميعًا دون أن تهتز شباكه.
وقال توخيل: “لا أجرؤ على التفكير في التشكيلة الأساسية في كأس العالم لأنه لا يزال هناك العديد من الأشهر قبل البطولة. لكننا تعلمنا الكثير اليوم أيضًا، فقد كانت مباراة صعبة، في استاد مليء بالعواطف. شعرت وكأنها مباراة كأس، حيث كنت الفريق المفضل، والفريق الآخر المرشح للخسارة يمتلك الجودة والتنظيم وينتظر فرصته. لقد استقبلوا خمسة أهداف، وسجلنا أربعة منها، لذا كنا نعرف أننا يجب أن نتحلى بالصبر. كنا نعلم أنه يجب أن نبقى إيجابيين، لا ننزعج، ونقبل إذا عادت الكرة إليهم، وهم يضعونها مباشرة أمام مهاجميهم”.
وأضاف: “يحتفلون بالركنيات وكأنها أهداف، ويبقون ملتزمين بالأساسيات في كرة القدم، وهذا ما فعلناه نحن. لقد قلت للاعبين إننا نحرز تقدمًا مستمرًا طوال المعسكرات الثلاثة، وهذا ما أردناه. تهانينا لهم، لقد كان من دواعي سروري أن أقاتل معهم وأدفعهم من على الخط الجانبي. من الصعب أن أتخيل الآن عدم التواجد معهم يوم الأربعاء أو السبت، من الصعب جدًا أن أتخيل أنني سأراهم مرة أخرى في مارس، لكنهم أدوا بشكل رائع للغاية”.
أزمة الرقم 10
في كرة القدم الحديثة، لم يعد الجدل محصورًا داخل الملعب فقط، بينما أصبحت الشخصيات، والنفوذ، والهالة الإعلامية، وطبيعة العلاقة بين المدرب والنجم، كلها عناصر تصنع أزمات لا تقل أهمية عن خطة اللعب ذاتها، وفي حالة جود بيلينجهام يبدو أن هذا الصراع يتخذ شكلًا متوازيًا بين منتخب إنجلترا تحت قيادة توماس توخيل، والنادي الملكي تحت قيادة تشابي ألونسو، مع اختلاف السياقات، وتشابه جوهر المشكلة.
Getty Images
منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها توخيل تصريحاته الشهيرة بأن “إنجلترا لن تلعب بهاري كين وجود بيلينجهام وفيل فودين معًا”، بدا واضحًا أنه يريد إرسال رسالة مفادها أن لا أحد محصن من القرارات، حتى لو كان أفضل موهبة إنجليزية في جيله.
وتجلت هذه الرسالة بوضوح في ليلة ويمبلي أمام صربيا، حين جلس بيلينجهام أكثر من ساعة على مقاعد البدلاء، بينما منح توخيل ثقته لمورجان روجرز، لاعب أستون فيلا، ليبدأ في المركز رقم 10.
على الورق، بدا الأمر وكأنه مجرد “تناوب طبيعي” أو “إدارة دقائق”، لكن متابعة التفاصيل تكشف أن القضية أعمق بكثير.
معركة “الأنا” بين بيلينجهام وتوخيل
يريد توخيل، المعروف بأنه مدرب لا يتردد في المواجهة، أن يُعيد تشكيل المنتخب وفق معاييره الخاصة التي تتمثل في: منظومة صارمة، وأدوار واضحة، ولاعبون خاضعون للهيكل لا للنجومية، ولذلك الصدمة لم تكن في جلوس بيلينجهام احتياطيًا فحسب، بل في الطريقة التي دافع بها توخيل عن قراره.
المدرب قال صراحة إن روجرز استحق البقاء لأن الأداء هو المعيار الأول، وإن التغيير في أسلوب الضغط وتطور شكل المنتخب تكتيكيًا يجعل إدخال بيلينجهام مباشرة إلى قلب التشكيل “غير عادل”.
هنا تظهر مشكلة بيلينجهام الكبرى مع توخيل، فاللاعب يريد أن يكون القطب الأبرز، بينما المدرب يريد أن يكون القطب الأوحد.
توخيل لا يمنح مراكز القيادة بسهولة، ولا يحب اللاعبين ذوي النفوذ، ولا أولئك الذين يملكون هالة تُربك المعادلة، وتاريخ المدرب الألماني يدعم هذه الفرضية، من أوباميانج إلى لوكاكو ونيمار، كلها قصص لمدرب يصطدم سريعًا بالنجوم الذين يعتقدون أن وزنهم أكبر مما يسمح له بالنوم مرتاحًا.
المفارقة أن بيلينجهام لم يكن سيئًا عند دخوله؛ بل على العكس، بدا أكثر حضورًا من روجرز في دقائق قليلة، ومرر وصنع الفارق، وشارك في بناء الهدف الثاني.
لكن توخيل لم يُظهر أي رغبة في تغيير خططه، وبالنسبة له، المباراة كانت اختبارًا للسلطة أكثر منها اختبارًا للأداء.
وقبل إغلاق ملف بيلينجهام في ويمبلي، يجب التوقف عند حقيقة أخرى وهي الإعلام الإنجليزي، فجزء كبير من الأصوات التي انتقدت بيلينجهام لم تنتظر لحظة لتضخيم الحدث.
ولكن وسط كل هذه الضوضاء، ظهر تفسير أكثر هدوءًا، وهو أن المباراة كانت “تجريبية”، والرهان كان منخفضًا، والقرار ليس بالضرورة إشارة حرب، لكن ذلك لا يلغي أن توخيل كان يريد أن يقول شيئًا محددًا جدًا، وهو “هنا، القواعد تتغير عن مدريد”.