عاشت إسكتلندا واحدة من أكثر لياليها جنونًا وإثارة، بعدما حجز المنتخب مقعده في كأس العالم للمرة التاسعة بشكل عام والأولى منذ 1998 بفوز درامي 4-2 على الدنمارك، في مباراة حملت كل شيء: أهداف خيالية، مشاعر جياشة، واعترافات صادمة من نجوم المنتخب الذين عاشوا ليلة لن تُنسى في هامبدن بارك.
وانفجرت احتفالات عارمة في جنوب جلاسكو بعد الهدفين القاتلين لكيران تيرني وكيني ماكلين، حيث امتزجت الدموع بالضحكات، وتدفقت القصص الإنسانية التي كشف عنها اللاعبون عقب صافرة النهاية، لكن القصة الأكثر تأثيراً جاءت من القائد أندي روبرتسون، نجم ليفربول الذي أقرّ بأن زميله الراحل ديوجو جوتا لم يفارق ذهنه طوال اليوم.
روبرتسون: “جوتا كان معي في الملعب.. وهذه كانت فرصتي الأخيرة”
قدّم قائد المنتخب أندي روبرتسون واحدة من أكثر المقابلات تأثيراً في مسيرته، حين كشف أن صديقه الراحل ديوجو جوتا زميله السابق في ليفربول الذي توفي الصيف الماضي في حادث سير كان حاضراً في ذهنه منذ الصباح.
وقال روبرتسون، صاحب الـ31 عاماً: “أخفيت الأمر جيداً، لكنني كنت محطمًا اليوم. أعلم أنني في سن قد يجعل هذه فرصتي الأخيرة للمشاركة في كأس العالم. لم أستطع إخراج صديقي جوتا من رأسي. تحدثنا كثيراً عن الذهاب إلى كأس العالم لأنه غاب عن الأخيرة مع البرتغال وأنا غبت مع إسكتلندا. أعلم أنه يبتسم لي اليوم”.
وأضاف: “أنا سعيد للغاية أن النهاية جاءت بهذه الطريقة. هذه المجموعة من اللاعبين والجهاز الفني هي الأفضل التي لعبت معها. خطاب المدرب قبل المباراة كان لا يُصدق. استعرض اللحظات الكبرى التي مررنا بها، وقال: دعونا نصنع ليلة أخرى لا تُنسى. كنا متأثرين جداً، وإنجازنا هذا سيظل من أعظم ليالي حياتي”.
ماكين: “كنا سيئين.. لكن من يهتم؟”
جون ماكين لم يُخفِ انتقاداته لأداء المنتخب، رغم النتيجة التاريخية، قائلاً: “بصراحة كنا سيئين جداً، لكن من يهتم؟ الشعور بالنجاح أكبر من أي شيء. خطاب المدرب كان استثنائياً”.
وتابع: “ظننت أن الأمر انتهى وأننا أمام فشل جديد. في الدقيقة 91 كنت أفكر في الملحق، لكن بعد تسديدة كيران تيرني… لن أشعر بشيء مماثل في أي ملعب آخر”.
جوردون: كنت على وشك الاعتزال
الحارس المخضرم كريج جوردون، الذي سيبلغ 43 عاماً في المونديال، عبّر عن مشاعر مختلطة: “يا لها من ليلة مجنونة. جودة الأهداف لا تُصدق. ألعب منذ 21 عاماً مع المنتخب، وبعد كل هذا أحصل على ليلة كهذه… شيء يفوق الخيال”.
وأضاف: “كنت قريباً من الاعتزال هذا الصيف، وستيف كلارك هو من طلب مني الاستمرار عاماً آخر. الليلة أثبتت أن كل تعب السنوات كان يستحق”.
تيرني: “واحدة من أفضل لحظات حياتي”
جاء هدف كيران تيرني في الدقيقة 93 ليغيّر مصير منتخب كامل، وقال مدافع سلتيك: “هذا جنون يا رجل. واحدة من أفضل المشاعر في حياتي. الجميع هنا يستحق. لم أستوعب ما فعلته حتى الآن”.
ماكلين: هدف من منتصف الملعب يختتم الجنون
كيني ماكلين أضاف الهدف الرابع بطريقة لا تُنسى، بتسديدة فوق كاسبر شمايكل من داخل منتصف ملعبه.
وقال ماكلين: “الأجواء كانت استثنائية. كنا نعلم أننا نملك القدرة، لكن تسجيله في اللحظات الأخيرة يجعله أكثر تميزاً. تيرني قال لي: سجلت ثالث أجمل هدف في المباراة، وكان رائعاً”.
وأضاف: “فكرت بالتسديد مرتين، وعندما لم يتراجع الحارس سريعاً جربت. دخول الكرة الشباك كان أفضل شعور في حياتي”.
فيرجسون: “لم أشاهد إسكتلندا في كأس العالم.. حتى الآن”
كشف لويس فيرجسون عن جانب إنساني آخر في هذه الليلة التاريخية: “إنه عيد ميلاد ابنتي الثالثة اليوم، وكنت حزيناً لعدم وجودي معها، لكن رؤيتها بعد المباراة جعلت كل شيء يستحق”.
وتابع: “لم أشاهد إسكتلندا في بطولة كبرى طوال حياتي، لكننا الآن في صدر المجموعة ونذهب إلى كأس العالم. غداً ربما نستوعب ما حدث… ونحن نعاني من صداع الاحتفال”.
تاريخ إسكتلندا في كأس العالم
يُعد منتخب إسكتلندا لكرة القدم واحداً من أقدم الفرق الأوروبية وأكثرها اعتزازا بتاريخها الكروي، إلا أن مسيرته في كأس العالم شهدت تحديات كبيرة وفرصاً متكررة لم تُكلل بالنجاح في معظم الأحيان.
بدأت مغامرة «الإسكتلنديين» في البطولة العالمية عام 1954، عندما شاركوا لأول مرة في مونديال سويسرا، حيث كانت مشاركتهم الأولى اختباراً صعباً على المستوى الدولي. على الرغم من الحماس الكبير لدى اللاعبين والجماهير، لم يتمكن المنتخب من تجاوز دور المجموعات، بعد هزيمتين متتاليتين أمام أوروجواي وهنجاريا.
تكررت التجربة في مونديال 1958 في السويد، حيث واجه المنتخب نفس المصير وخرج من دور المجموعات، رغم ظهور بعض المواهب الشابة التي أظهرت إمكانات كبيرة على الساحة العالمية.
ودعت إسكتلندا أيضا نسخ 1974 و1978 و1982 و1986 من الدور الأول، ثم عادت للمحاولة في كأس العالم خلال تسعينيات القرن العشرين، وتحديداً في البطولة التي استضافتها إيطاليا عام 1990. كان ذلك المونديال مميزاً من ناحية التنظيم والجو الجماهيري، لكن المنتخب لم يستطع تخطي دور المجموعات مرة أخرى، رغم تحقيقه بعض النتائج الإيجابية أمام فرق قوية مثل النمسا وكوستاريكا.
أما البطولة الأبرز قبل الغياب الطويل، فكانت مونديال فرنسا 1998، والتي شهدت تألق عدد من لاعبي إسكتلندا على المستوى الفردي، إلا أن الفريق انهار أمام المنافسين الأقوياء وخرج مبكراً، مما أثار خيبة أمل كبيرة بين الجماهير.