في كرة القدم، هناك لحظات نادرة، لحظات يقترب فيها المدرب من مواجهة نفسه، أو مطاردة شبح صنعه قبل سنوات طويلة.
هذا هو السيناريو الاستثنائي هو الذي ينتظر البرتغالي جورجي جيسوس، المدير الفني لفريق النصر السعودي.
جيسوس يُعد واحدًا من أعظم المدربين في تاريخ الدوري السعودي بلا أي نقاش، بعدما صنع مسيرة مليئة بالإنجازات التي لا تُنسى خلال ولايتين مع الهلال.
وبعد تاريخ كبير تركه مع “الزعيم”، جاءت محطته الحالية مع النصر، الخصم اللدود وجاره الأشهر، ليبدأ تحديًا لا يقبل التراجع، في محاولة لإعادة “العالمي” إلى الواجهة بعد مواسم صعبة.
ذكرى هلالية
في موسم 2018-2019، تولى جيسوس قيادة الهلال للمرة الأولى، وتمكن من تشكيل فريق هجومي شرس، انسجم تمامًا مع فلسفته التي ترى أن الهجوم ليس مجرد خيار… بل أسلوب حياة.
بدأ الفريق تحت قيادته يشبه آلة كاسحة لا تتوقف، سواء في الدقيقة الأولى أو في الدقيقة 90، محققًا انتصارًا بعد آخر، حتى بلغ سلسلة استثنائية من 9 انتصارات متتالية في الدوري.
هذه السلسلة مثّلت أفضل انطلاقة في مسيرة جيسوس التدريبية التي تنقل خلالها بين أوروبا وأمريكا الجنوبية والخليج.
لقد كانت تلك المرحلة إعلانًا عن حقبة جديدة، حقبة كانت فيها المباريات تُحسم قبل أن تبدأ، وكان الخصوم يدخلون اللقاء وهم يدركون تمامًا أن القوة الزرقاء قادمة لا يمكن صدّها.
رحل جيسوس بعد تلك التجربة الأولى، لكن أثره ظل حاضرًا، والرقم بقي شاهدًا على فريق صُنع في لحظة استثنائية من الزمن.
ورغم عودته للهلال مطلع موسم 2023-2024، فإنه لم ينجح في معادلة هذا الرقم، لكنه حصد جميع الألقاب المحلية قبل رحيله مجددًا في مايو/أيار الماضي.
عودة من بوابة الجار
بعد رحيله في مايو/أيار، عاد جيسوس للدوري السعودي من جديد، ولكن هذه المرة من بوابة الغريم المباشر النصر.
عودة ثقيلة على المشهد، ومثيرة للجمهور، وصادمة لمن اعتاد رؤيته باللون الأزرق.
ومع ذلك، لم يحتج المدرب البرتغالي لوقت طويل ليُثبت أن فكره الهجومي لا يزال حاضرًا، وأن أسلوبه ما زال قادرًا على صناعة الفارق. الأندية قد تتغيّر، لكن جيسوس… يبقى هو جيسوس.
استعاد النصر معه روحه الهجومية، وثقته، وهيبته التي تضررت في السنوات الماضية.
وبدا النصر وكأنه يخوض اختبارًا جديدًا في كل مباراة، بينما يقترب جيسوس خطوة بعد أخرى من رقمه القديم الذي دوّن اسمه به مع الهلال.
واليوم، يمتلك جيسوس 8 انتصارات متتالية، وسلسلة تتصاعد بثبات، ومع كل مباراة يتزايد التوتر، لأن الفوز المقبل لا يعني مجرد 3 نقاط، بل يعني معادلة رقم تاريخي صنعه المدرب نفسه… ولكن مع فريق آخر.
كتابة التاريخ
القصة لا تنتهي هنا، لأن جيسوس لا يقترب من رقم واحد فقط، بل من معركة أكبر، معركة تختلط فيها الألوان بالأرقام، ويتحول الخصم فيها إلى التاريخ نفسه.
منذ موسم 2013-2014، كان النصر يمتلك الرقم التاريخي لأطول سلسلة انتصارات في الدوري السعودي (13 انتصارًا متتاليًا).
وظل الرقم ملكًا للعالمي لمدة 9 مواسم كاملة، قبل أن يأتي جيسوس نفسه في فبراير/شباط 2024… ليكسره، ولكن لصالح الهلال هذه المرة.
لم يكتف بكسره، بل ذهب إلى أبعد نقطة، إذ سطر 24 انتصارًا متتاليًا مع الهلال، قبل أن تتوقف السلسلة في مباراة درامية انتهت بالتعادل أمام النصر نفسه.
واليوم، يجد جيسوس نفسه أمام مفارقة لا تحدث إلا في كرة القدم: الرجل الذي محا الرقم النصراوي قبل أشهر، أصبح يمتلك الفرصة لإعادته للنصر… وربما تجاوزه أيضًا.
وبالتالي، فإن المدرب البرتغالي يقف أمام فرصة لتحقيق أفضل انطلاقة في تاريخ النصر (13 فوزًا)، ثم التقدم لكسر رقم الهلال التاريخي (24 فوزًا) إذا استمر على النهج ذاته.
تحدٍ مصيري
المباراة المقبلة أمام الخليج لا تبدو مواجهة عادية. إنها مواجهة مفصلية، واحدة من تلك المباريات التي تُكتب عنها القصص لاحقًا، لأنها ستحدد ما إذا كان جيسوس سيعادل رقمه الأول مع النصر، أم سيُبقيه جزءًا من الماضي.
الفوز لن يعني 3 نقاط فقط، بل سيجعل النصر على أبواب سلسلة تاريخية جديدة تحت قيادة جيسوس، ويمهد الطريق نحو معادلة أكبر إنجاز في تاريخ النادي.
ويلتقي النصر مع الخليج مساء غدٍ السبت، ضمن منافسات الجولة التاسعة من دوري روشن السعودي.