في لحظةٍ لم يلتفت إليها الكثيرون، ظهر اسمٌ جديد يلمع بهدوء مع أهلي جدة ومن ثم المنتخب السعودي، وهو الجناح الشاب، صالح أبو الشامات.
وبينما تتجه الأنظار نحو النجوم المعتادين، كان رينارد ينسج خيطًا خفيًا، يهيئ ورقةً لا يعرفها إلا القليل، لكنه يخطط لإخراجها في التوقيت الذي يهزّ المشهد، وهو ما حدث في المباريات الدولية الأخيرة.
ومع اقتراب كأس العرب المقرر إقامتها في قطر خلال الفترة من 1 ديسمبر/كانون الأول حتى 18 من الشهر ذاته، سيكون الاعتماد على أبو الشامات في خط المقدمة لدعم خطط المدرب الفرنسي بدون أدنى شك.
تألق جذب الأنظار
منذ اللحظة الأولى لانضمامه إلى صفوف أهلي جدة مطلع الموسم الجاري قادمًا من الخليج، لم يمر صالح أبو الشامات مرور الكرام، بل سرعان ما جذب أنظار المدرب الفرنسي هيرفي رينارد، الذي لم يغفل موهبة شابة تحمل في جعبتها الكثير من الإمكانيات.
لم يكن الأمر مجرد تقدير عابر، بل متابعة دقيقة لما يقدمه اللاعب في كل حصة تدريبية وكل مواجهة على أرض الملعب.
قدرات أبو الشامات الفنية كانت واضحة منذ بداياته؛ اختراقاته الذكية من الطرف الأيسر، وسرعته في المراوغة، وتمكنه من قلب الزوايا الضيقة إلى فرص حقيقية، جعلته عنصرًا فعالًا في بناء الهجمات.
كذلك فإن تحركاته نحو العمق لم تكن عشوائية، بل كانت تخدم الفريق بتغيير إيقاع اللعب وخلق مساحات للنجمين أو لزملائه، ما أضاف بعدًا جديدًا لهجوم الفريق.
ما أعجب رينارد في أبو الشامات ليس السرعة فقط، ولا القدرة على المراوغة، بل ذكاؤه التكتيكي وحسه في قراءة المباراة، فهو لاعب يعرف متى يوسع الملعب، ومتى يختار التوغل بين الخطوط، ومتى يمرّر أو يسدد، ليترك المدافعين في حيرة دائمة.
هذا المزيج من الجرأة والذكاء جعل رينارد يراه كـ “ورقة رابحة” محتملة للأخضر، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات المهمة مثل كأس العرب، حيث يمكن للاعب أن يشكّل فارقًا حقيقيًا دون أن يشعر الخصوم بوجوده حتى اللحظة الحاسمة.
مع كل مباراة يخوضها، يثبت أبو الشامات أنه ليس مجرد جناح سريع على الطرف الأيسر، بل لاعب متكامل يمتلك القدرة على صناعة الفرص وخلق الفارق، ويضيف بعدًا هجوميًا مرنًا يمكن للفريق الاعتماد عليه في اللحظات الصعبة.
ومن هنا، لم يعد مجرد لاعب جديد في الدوري، بل أصبح عنصرًا أساسيًا ضمن خطط رينارد، الذي يرى فيه مستقبلًا واعدًا يمكن أن يشكّل قلب هجوم الأخضر في المسابقات القادمة.
ظهور بارز
صحيح أن أبو الشامات شارك في مباراتين دوليتين سابقتين خلال عام 2023، ولكنه لم يظهر بالشكل المطلوب.
ومع عودة رينارد، تزامنًا مع تألقه مع الأهلي على المستويين المحلي والآسيوي، فقد قرر المدرب الفرنسي ضمه لجميع معسكرات الأخضر الماضية بداية من سبتمبر/أيلول الماضي.
وفي 5 مباريات فقط، استطاع نجم الأهلي أن يثبت نفسه بأفضل صورة ممكنة، بتسجيل هدفين وتقديم تمريرة حاسمة.
والهدف الأبرز، يتمثل في هز شباك إندونيسيا بالجولة الأولى من الملحق الآسيوي المؤهل لنهائيات كأس العالم 2026، بالإضافة لظهوره البارز ضد العراق بالجولة الثانية في المباراة التي انتهت بالتعادل السلبي.
وكان أبو الشامات أحد أبرز العناصر التي قادت الأخضر للتأهل إلى مونديال 2026، ليصبح عنصرًا أساسيًا في كتيبة المدرب الفرنسي، والذي قرر ضمه للقائمة المشاركة في كأس العرب بقطر 2025.
من هو صالح أبو الشامات؟
صالح أبو الشامات هو لاعب كرة قدم سعودي شاب، ولد في 11 أغسطس/أب 2002 في جدة. منذ نعومة أظافره نشأ في أكاديمية الأهلي السعودي، لكنه تلقّى دعوة التحدي خارج جدران بيته الأول، وانتقل بعد ذلك إلى صفوف شباب القادسية السعودي، حيث بدأ بصقل موهبته تدريجيًا حتى أصبح لاعبًا محترفًا.
أول ظهور رسمي له كان مع القادسية في مايو/أيار 2021، حين خاض أولى مبارياته الكبيرة، ومنذ ذلك الحين بدأ رحلة البحث عن الفرصة لإثبات نفسه على أرض الملعب.
في عام 2024، وخلال فترة انتقالاته، انتقل على سبيل الإعارة إلى التعاون السعودي، ثم خُطّت خطوة مهمة عندما انتقل إلى الخليج السعودي حيث خاض موسمًا كاملاً وأظهر إمكانات لافتة.
لكن العودة إلى الأهلي في صيف 2025 شكلت محطة مفصلية في حياته؛ فبعد سنوات من التنقّل والنضوج، عاد “أبو الشامات” إلى بيته القديم بعقد يمتد 3 مواسم، مع طموح أن يكون جزءًا من مشروع كبير داخل النادي.
ما يميز أبو الشامات هو مزيج من السرعة، المهارة الفنية، والمراوغة الذكية. يفضّل اللعب على الأجنحة لكنه لا يكتفي بالتمركز على الأطراف، بل كثيرًا ما ينطلق إلى العمق، يخلق مساحات، ويحوّل الضغط إلى فرص.
هذا الأسلوب جعل منه لاعبًا مرنًا قادرًا على مفاجأة المدافعين وتحويل الكرة إلى هجمات فعلية.
ورغم صغر سنّه، يُنظر إلى أبو الشامات على أنه واحد من المواهب الواعدة في الكرة السعودية لاعب يجمع بين المراوغة والذكاء التكتيكي والرغبة في التطور.
ظهوره مع الأهلي والمنتخب يعكس تأهيلًا طويلًا ومحاولات للإثبات، وهو اليوم أمام فرصة لبناء مسيرة تضعه بين أجنحة الجيل الجديد أو حتى نجومية ثابتة على مستوى الأندية والمنتخب.