في عالم كرة القدم، حيث تُكتب القصص بالألقاب وتُصنع الأساطير بالإنجازات، يبرز كريستيانو رونالدو كرجل غيّر مصير منتخب البرتغال، وحوّله من فريق عادي إلى قوة عالمية مُرعبة.
قبل ظهور هذا الأسطورة، كانت البرتغال تعيش في ظلال المنتخبات الكبرى، دون أي لقب يُذكر، بثلاث مشاركات متواضعة في كأس العالم ومثلها في بطولة أمم أوروبا (اليورو).
لكن مع انطلاق حقبة رونالدو، شهدت الكرة البرتغالية ثورة حقيقية، حيث قاد النجم الموهوب بلاده إلى ثلاث بطولات كبرى، مُعيدًا كتابة تاريخها بأحرف من ذهب، ومُرسخًا اسم البرتغال كإمبراطورية كروية لا تُضاهى.
البرتغال قبل رونالدو: طموح بلا ألقاب
قبل ظهور كريستيانو رونالدو، كانت البرتغال منتخبًا يمتلك إمكانيات، لكنه يفتقر إلى الإنجازات الكبرى.
بين عامي 1966 و2002، شاركت البرتغال في ثلاث نسخ فقط من كأس العالم (1966، 1986، 2002)، ولم تتجاوز الدور نصف النهائي في أفضل حالاتها (1966).
وفي بطولة اليورو، اقتصرت مشاركاتها على ثلاث نسخ (1984، 1996، 2000)، وكان أبرز إنجازاتها الوصول إلى نصف نهائي 1984.
ورغم وجود مواهب مثل أوزيبيو ولويس فيجو، ظل المنتخب البرتغالي بعيدًا عن منصات التتويج، محصورًا في دائرة الطموح دون تحقيق الألقاب.
البرتغال في تلك الحقبة كانت تُعاني من غياب القائد الذي يستطيع تحويل الطموح إلى واقع. كانت مبارياتها تتسم بالحماس، لكنها تفتقر إلى الحسم في اللحظات الحرجة.
الجماهير البرتغالية كانت تحلم بالمجد، لكن الحلم ظل بعيد المنال حتى ظهر كريستيانو رونالدو، الفتى الذي سيغير كل شيء.
ثورة رونالدو: بداية الحقبة الذهبية
مع انضمام كريستيانو رونالدو إلى المنتخب البرتغالي في 2003، بدأت صفحة جديدة في تاريخ الكرة البرتغالية.
كان رونالدو، الشاب القادم من ماديرا، موهبة استثنائية، تجمع بين السرعة، القوة، والإصرار على تحقيق المستحيل.
ومنذ مشاركته الأولى في يورو 2004، التي أُقيمت على أرض البرتغال، أظهر رونالدو أنه ليس مجرد لاعب، بل قائد قادر على قيادة بلاده إلى آفاق جديدة.
وخلال حقبة رونالدو، لم تفُت البرتغال أي نسخة من كأس العالم، محققة خمس مشاركات متتالية (2006، 2010، 2014، 2018، 2022).
كما سجلت البرتغال حضورًا دائمًا في بطولة اليورو بست مشاركات متتالية (2004، 2008، 2012، 2016، 2020، 2024).
لكن الأرقام وحدها لا تروي القصة كاملة؛ الألقاب التي حققها المنتخب هي ما جعلت هذه الحقبة ذهبية.
يورو 2016: التتويج التاريخي
في صيف 2016، كتب كريستيانو رونالدو اسمه في سجلات التاريخ عندما قاد البرتغال للفوز ببطولة أمم أوروبا للمرة الأولى.
رغم الإصابة التي أجبرته على مغادرة المباراة النهائية أمام فرنسا مبكرًا، كان تأثيره خارج الملعب لا يقل أهمية، حيث ظل يحفّز زملاءه من على خط التماس كمدرب ثانٍ.
انتصار البرتغال (1-0) في الوقت الإضافي، بهدف إيدر، كان لحظة تاريخية، حيث تحول الحلم البرتغالي إلى حقيقة. لقد كسر رونالدو حاجز الصفر، وحوّل البرتغال من منتخب حالم إلى بطل قاري.
دوري الأمم الأوروبية: تأكيد الهيمنة
لم يكتفِ رونالدو ببطولة اليورو، بل واصل تألقه مع المنتخب في بطولة دوري الأمم الأوروبية.
في موسم 2018/19، قاد البرتغال للفوز باللقب الأول في تاريخ البطولة، متغلبًا على هولندا (1-0) في النهائي.
وكان رونالدو نجم البطولة، حيث سجل هاتريك في نصف النهائي أمام سويسرا، مُثبتًا أنه العمود الفقري للمنتخب.
وفي موسم 2024/25، عاد المنتخب البرتغالي ليؤكد هيمنته بحصد لقب دوري الأمم الأوروبية للمرة الثانية، مُضيفًا إنجازًا جديدًا إلى خزائن الألقاب.
هذه البطولات أظهرت أن البرتغال، تحت قيادة رونالدو، لم تكتفِ بالفوز مرة واحدة، بل أصبحت قوة مستدامة قادرة على المنافسة على كل الأصعدة.
تأثير رونالدو: أكثر من مجرد ألقاب
تأثير كريستيانو رونالدو لا يقتصر على الألقاب الثلاثة أو الأرقام القياسية التي حققها مع المنتخب. لقد غيّر ثقافة المنتخب البرتغالي، وزرع في اللاعبين روح الطموح والإيمان بالفوز.
قبل رونالدو، كانت البرتغال تُعاني من عقدة النقص أمام المنتخبات الكبرى، لكن معه، أصبحت تواجه أبطال العالم دون خوف. أهدافه الحاسمة، قيادته داخل وخارج الملعب، وتفانيه في تمثيل بلاده جعلته رمزًا وطنيًا.
على المستوى الجماهيري، ألهم رونالدو أجيالًا من البرتغاليين، وحوّل المنتخب إلى مصدر فخر عالمي. الشباب البرتغاليون الذين نشأوا وهم يشاهدون رونالدو يحطم الأرقام القياسية ويرفع الألقاب، باتوا يؤمنون بأن لا شيء مستحيل.
الإرث: من الصفر إلى الأسطورة
قبل كريستيانو، كانت البرتغال منتخبًا يحلم بالمجد دون أن يلمسه. بعد كريستيانو، أصبحت قوة عالمية تمتلك ثلاث بطولات كبرى، وتاريخًا حافلاً بالمشاركات المتتالية في أكبر البطولات.
رونالدو لم يكن مجرد لاعب، بل كان قائدًا، محفزًا، وصانع أحلام. لقد أعاد تشكيل هوية البرتغال الكروية، وحوّلها من منتخب ثانوي إلى قوة لا تُضاهى.
وربما يعتزل كريستيانو يومًا، وتختفي خطواته من الملاعب، لكن تأثيره سيظل حاضرًا لعقود. فقد كان أكثر من هداف، أكثر من نجم، وأكثر من بطل. كان رجلًا آمن بمنتخب بلاده حين كان الكل يشكك، وقادهم إلى المجد.. هذا هو الفارق بين لاعب يمرّ، وأسطورة تُغيّر مجرى التاريخ.