عندما تطأ أقدام النجم المغربي أشرف حكيمي لاعب باريس سان جيرمان، أرض الملعب لمواجهة ريال مدريد في نصف نهائي كأس العالم للأندية، فإنه لا يواجه مجرد خصم، بل ماضيه، ذكرياته، وانطلاقته الأولى.
مواجهة مساء اليوم الأربعاء، بين ريال مدريد وباريس سان جيرمان ليست فقط صدامًا تكتيكيًا، بل قصة مشاعر مؤجلة بين لاعب غادر البيت الملكي بحثًا عن ذاته، ويعود إليه اليوم نجمًا من الصف الأول.
ابن “لا فابريكا”
وُلد أشرف حكيمي في العاصمة الإسبانية مدريد، لأبوين مغربيين هاجرا إلى إسبانيا في مطلع التسعينيات.
منذ طفولته، كان حكيمي متعلقًا بكرة القدم، لكنه لم يكن يعلم أن موهبته الصغيرة ستخطف أنظار كشافي ريال مدريد، الذين ضموه إلى أكاديمية النادي الملكي في عام 2006 وهو في الثامنة من عمره.
في “لا فابريكا”، وجد حكيمي نفسه محاطا بأفضل الكوادر الفنية، وأمام منافسة شرسة مع آلاف المواهب، لكنه أثبت تفوقه بسرعة، وتم تصعيده تدريجيًا حتى وصل إلى الفريق الرديف “كاستيا”.
وفي موسم 2017–2018، وبينما كان داني كارفاخال يعاني مشاكل صحية، قرر زين الدين زيدان تصعيد حكيمي للفريق الأول.
خاض حكيمي مع ريال مدريد 17 مباراة في موسم واحد، وسجل هدفين، أحدهما في شباك إشبيلية، وشارك في موسم انتهى بحصد لقب دوري أبطال أوروبا، رغم أن مساهماته كانت محدودة.
لكن مع نهاية الموسم، اتضح لحكيمي أن مستقبله داخل ريال مدريد محفوف بالغموض، مع عودة كارفاخال أساسيًا، كما كان ناتشو خيارًا دفاعيًا جاهزًا، بينما لم يكن زيدان قادرًا على منح الشاب المغربي آنذاك دقائق أكثر.
لم يكن القرار سهلا، لكنه كان ضروريًا، حين وافق الريال على إعارته إلى بوروسيا دورتموند. كانت تلك اللحظة التي انطلقت فيها شرارة التحول الحقيقي.
تحول جذري
في ألمانيا، تغير كل شيء. لم يعد حكيمي ذلك الظهير الشاب الذي ينتظر فرصة، بل أصبح عنصرًا حيويًا في خطة هجومية متحررة. فقد لعب خلال موسمين مع دورتموند 73 مباراة، سجل خلالها 12 هدفًا ووقع على 17 تمريرة حاسمة.
تفجرت طاقته على الأطراف، وتحول إلى واحد من أسرع اللاعبين في أوروبا، حتى أن سرعته الرسمية وصلت إلى 36.48 كم/ساعة، وهي من بين المعدلات الأعلى في تاريخ الدوري الألماني.
لكن التألق لم يكن كافيًا لإقناع ريال مدريد باستعادته، فالنادي كان يمر بمرحلة انتقالية، ولم يبد رغبة واضحة في إعادته للبرنابيو. وهنا جاءت النقلة الجديدة: الانتقال إلى إنتر ميلان في صيف 2020 مقابل 43 مليون يورو.
مع النيراتزوري، وتحت قيادة أنطونيو كونتي، أظهر حكيمي نسخة أكثر نضجًا. لعب موسمًا واحدًا فقط، لكنه كان كافيًا ليمنح إنتر لقب الدوري الإيطالي لأول مرة منذ عام 2010.
شارك حكيمي مع إنتر في 45 مباراة، سجّل خلالها 7 أهداف وصنع 11، وكان أحد أبرز مفاتيح اللعب في منظومة 3-5-2. وسرعان ما جذبت أرقامه انتباه أندية النخبة الأوروبية.
تألق باهر
في صيف 2021، انتقل النجم المغربي إلى باريس سان جيرمان في صفقة ضخمة بلغت 60 مليون يورو، ليبدأ فصلاً جديدًا في مسيرته، داخل فريق يعج بالنجوم.
لم تكن البداية سهلة، فالتنافسية عالية، لكنه مع الوقت رسخ حكيمي نفسه كركيزة أساسية في الجبهة اليمنى.
لقد خاض حتى الآن 173 مباراة مع الفريق الفرنسي، سجل خلالها 25 هدفًا وصنع أكثر من 34 تمريرة حاسمة.
كما فاز مع باريس بلقب الدوري الفرنسي 4 مرات، إضافة إلى كأس فرنسا مرتين، ودوري أبطال أوروبا هذا الموسم لأول مرة في تاريخ نادي العاصمة.
ولعل ما زاد من ثقل حكيمي على المستوى الدولي، هو الأداء المذهل الذي قدّمه مع منتخب المغرب في كأس العالم 2022، حين كان أحد أبطال الملحمة التاريخية التي قادت “أسود الأطلس” إلى نصف نهائي المونديال، كأول منتخب عربي وأفريقي يصل إلى هذا الدور.
كان حكيمي حاسمًا، وهادئًا، وصلبًا في اللحظات الكبرى، ولم يكن من الغريب أن يتردد اسمه بعد البطولة كأحد أفضل الأظهرة في العالم.
مواجهة حاسمة
حكيمي يعود إلى لحظة المواجهة مع ريال مدريد في نصف نهائي بطولة عالمية تقام لأول مرة بهذا الشكل في الولايات المتحدة. لا شك أن المشاعر ستكون متضاربة، فالقميص الأبيض لا يزال محفورًا في ذاكرة حكيمي، لكنه الآن يرتدي شعارًا آخر، ويدافع عن طموح آخر.
في أحد تصريحاته السابقة، قال حكيمي: “أنا ممتن لريال مدريد، فقد نشأت هناك كلاعب وشخص، لكنني قررت أن أغادر لأنني أردت أن أكون لاعبًا مهمًا. لا يمكنني أن أبقى على مقاعد البدلاء في سن العشرين”.
واليوم، يقف أمام هذا النادي لاعبًا ناضجًا، لا يسعى للانتقام، بل لتأكيد أن رحيله كان خطوة في الطريق الصحيح.