لطالما راودت ماركوس راشفورد، نجم مانشستر يونايتد، فكرة اللعب في كامب نو، لكن ارتباط اسمه مؤخرًا ببرشلونة لم يكن محض شائعات صحفية أو أحاديث عابرة.
وفي ظل الأزمات المالية التي يعاني منها النادي الكتالوني، عاد اسم المهاجم الإنجليزي بقوة إلى الواجهة كخيار محتمل، بل وربما واقعي أكثر من أي وقت مضى.
في فبراير 2023، حين حلّ مانشستر يونايتد ضيفًا على برشلونة في ذهاب دور الـ16 من الدوري الأوروبي، أبهر راشفورد الجميع بأداء مذهل.
لم يكن ريو فرديناند وحده من وصفه حينها بأنه “في حالة ذهول”، بل حتى بول سكولز، الذي لا يُعرف بانفعاله، قال إنه “من المستحيل إيقافه”.
سجل راشفورد هدفًا من زاوية شبه مستحيلة، وسبب في هدف عكسي بعد انطلاقة مدهشة، ليخرج فريقه متعادلًا بنتيجة 2-2 من ملعب يعد من أصعب الملاعب في أوروبا.
ذلك الأداء لم يكن مجرد لحظة عابرة، بل كان ضمن سلسلة مذهلة من الأهداف، حيث سجل راشفورد 30 هدفًا في موسم واحد، وقدم 12 تمريرة حاسمة، في أفضل نسخة له منذ تصعيده إلى الفريق الأول.
لكنه اليوم لا يجد مكانًا له في تشكيلة يونايتد. بل إن الأمور وصلت إلى حد منع دخوله مقر التدريبات إلا في ساعات متأخرة من اليوم، بعد أن أبعده المدرب روبن أموريم عن الفريق تمامًا.
طموح لا ينطفئ رغم التراجع
رغم هذا التراجع الكبير، لم يتخلّ راشفورد عن حلمه باللعب في برشلونة. عقب نهاية الموسم، سافر شقيقه ومدير أعماله دواين ماينارد إلى كتالونيا لعقد اجتماع مع المدير الرياضي للنادي ديكو.
وذهب راشفورد نفسه إلى أبعد من ذلك، حيث ظهر على قناة يوتيوب تابعة لجماهير برشلونة، وأعلن صراحة عن إعجابه بالموهبة الشابة لامين يامال ورغبته في اللعب بجواره.
ومع أن هذه الخطوات تبدو وكأنها محاولة لإقناع برشلونة أكثر من كونها تعبيرًا عن مفاوضات جدية، إلا أن ما حدث لاحقًا قد يكون فتح الباب أمام إمكانية الصفقة.
كان برشلونة قريبًا من التعاقد مع نيكو ويليامز، نجم أتلتيك بيلباو، مقابل 58 مليون يورو، لكن اللاعب فضّل تجديد عقده مع ناديه لعشر سنوات، ما جعل راشفورد يعود إلى دائرة اهتمام الفريق الكتالوني.
أزمة دياز ومخاوف مالية
لم يكن ويليامز الهدف الوحيد لبرشلونة. فقد وجّه أنظاره بعدها إلى لويس دياز، جناح ليفربول، لكنه اصطدم بعقبات جديدة. بايرن ميونخ تقدم بعرض رسمي بلغت قيمته 67.5 مليون يورو، رفضه ليفربول.
وعلم دياز أن برشلونة لا يستطيع حاليًا تحمل هذه الكلفة أو تسجيل لاعبين جدد، بسبب مخالفته لقواعد اللعب المالي النظيف، الأمر الذي جعله يطالب بضمان تعويضي في حال فشل النادي في تسجيله.
رفض برشلونة إدراج بند كهذا في عقد دياز، كما فعل مع ويليامز من قبل، ليجد نفسه أمام مأزق حقيقي. وفي ظل هذه العقبات، يبدو أن خيار التعاقد مع راشفورد على سبيل الإعارة هو الأكثر واقعية.
برشلونة يريد الإعارة.. ويونايتد يفضل البيع
رغم اهتمام برشلونة الحقيقي، إلا أن نواياه تبدو واضحة: صفقة إعارة دون خيار شراء إلزامي. الصحفي توني خوانمارتي، المقيم في برشلونة، أكد عبر بودكاست “Sempre Positiu” لموقع GOAL، أن النادي يقدّر راشفورد، لكنّه ليس ضمن أولوياته القصوى، كما لا يرغب في الاستثمار فيه بشكل دائم.
في المقابل، لا يرغب مانشستر يونايتد في أي صفقة مؤقتة. الإدارة تسعى للتخلص من راشفورد نهائيًا مقابل 40 مليون جنيه إسترليني، لعدة أسباب، أبرزها التخلص من راتبه المرتفع الذي يبلغ 325 ألف جنيه أسبوعيًا، والذي يفوق قدرات معظم الأندية الأوروبية حاليًا.
كما أن النادي بحاجة لتوفير موارد مالية من أجل تعزيز تشكيلته هذا الصيف.. وقد بدا هذا الاتجاه واضحًا عندما منح النادي الرقم 10 لماتيوس كونيا، في خطوة رمزية تعبّر عن انتهاء علاقة راشفورد بالنادي.
لا عروض جادة حتى الآن
مرّت أكثر من ستة أسابيع منذ فتح سوق الانتقالات، ولم تصل أي عروض رسمية لضم راشفورد. السبب لا يتعلق فقط بتراجع مستواه، بل أيضًا بعبء راتبه الثقيل، والذي لا تستطيع معظم الأندية تحمله. حتى الأندية السعودية، التي كانت في وقت سابق خيارًا لنجوم أوروبا، لم تبادر بأي اهتمام حقيقي.
وفي ظل هذا الجمود، قد يجد يونايتد نفسه مضطرًا للموافقة على خيار الإعارة، حتى لو كان مؤقتًا، لتوفير ما لا يقل عن 17 مليون جنيه من رواتب اللاعب.
حل مؤقت بفرصة جديدة
حتى لو وافق يونايتد، فإن الأمر لا يحسم بالنسبة لبرشلونة. فالنادي الكتالوني لا يزال بحاجة لحل مشاكله المالية قبل تسجيل أي لاعب، بما في ذلك خوان جارسيا، الذي انضم قبل أسابيع ولم يُسجّل بعد.
لكن بالمقارنة مع صفقتي ويليامز ودياز، يرى البعض في النادي أن راشفورد يمثل “أفضل نسبة جودة مقابل السعر”، خاصة إذا وافق على تخفيض راتبه.
ورغم صعوبة الموقف، إلا أن وجود لاعب متحمّس، بلا عروض منافسة، وقد أبدى استعداده للانتظار، يجعل من الصفقة ممكنة، ولو بعد حين.
راشفورد لا يزال ينتظر، وقد نقل إليه برشلونة أنه بحاجة للصبر حتى منتصف آب/أغسطس المقبل، وهي المهلة التي حدّدها لنفسه.
موقف يونايتد والجماهير
ليس الجميع في إنجلترا يرحّب بهذا السيناريو. فقد هاجم تيدي شيرينجهام، أسطورة يونايتد السابق، تصرفات راشفورد قائلًا: “لا أظن أنه يستحق الانتقال إلى نادٍ بحجم برشلونة. عندما تكون في مانشستر يونايتد، يجب أن تتمسك بفرصتك. لا أن تهرب منها”.
لكن واقع راشفورد حاليًا مختلف. النادي أدار ظهره له، والمدرب استبعده من حساباته، والجمهور انقسم حوله.. وفي لحظة كهذه، فإن الانتقال إلى برشلونة قد يمثل طوق النجاة لمسيرته، وليس مجرد طموح قديم.
ما كان في السابق يبدو حلمًا بعيد المنال، بات اليوم خيارًا أكثر واقعية. صحيح أن العقبات لا تزال قائمة، لكن في ظل التقاطعات الغريبة بين حاجة برشلونة لمهاجم منخفض الكلفة، ورغبة راشفورد في الخروج، قد تكون هذه الصفقة – رغم كل العوائق – أقرب للتحقق من أي وقت مضى.